كان ذلك، فإنه عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة، وَوَليَ بالعراق أميرًا، وفتحها الله تعالى على يديه، وأسلم على يديه بشر كثير، فانتفعوا به، وقَتَلَ وأَسَرَ من الكفار خلقًا كثيرًا، فاستضرّوا به، فكان ذلك القول من أعلام نبوَّته -صلى الله عليه وسلم-، وأدلَّة صدق رسالته. انتهى (?).
وقال النوويّ رحمه الله: وهذا الحديث من المعجزات، فإن سعدًا -رضي الله عنه- عاش حتى فَتَحَ العراق وغيره، وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم، وتضرَّر به الكفار في دينهم ودنياهم، فإنهم قُتِلوا وصاروا إلى جهنم، وسُبيت نساؤهم، وأولادهم، وغُنِمت أموالهم وديارهم، وَوَلي العراق، فاهتدى على يديه خلائق، وتضرر به خلائق بإقامته الحقّ فيهم، من الكفار ونحوهم.
قال القاضي: قيل: لا يُحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة، وموته بها، إذا كان لضرورة، وإنما كان يُحبطه ما كان بالاختيار، قال: وقال قوم: موت المهاجر بمكة مُحبط هجرته كيفما ما كان، قال: وقيل: لم تُفْرَض الهجرة إلا على أهل مكة خاصةً. انتهى (?).
(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ) بضمّ أوله، وتشديد اللام، مبنيًّا للمفعول، والمراد بالتخلّف هنا طول العمر، والبقاء في الحياة بعد جماعات من أصحابه، قاله النوويّ رحمه الله (?).
(فَتَعْمَلَ) بالنصب عطفًا على "تُخلَّف" (عَمَلًا تَبْتَغِي)؛ أي: تطلب (بِهِ وَجْهَ الله) عز وجل (إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلُّفُ حَتَّى يُنْفَعَ) بالبناء للمفعول، وفي بعض النسخ: "حتى يَنْتَفِعَ" بزيادة التاء، وعليه فهو مبنيّ للفاعل (بِكَ أقوَامٌ، وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ)؛ أي: ينتفع بك المسلمون بالغنائم، مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك، ويُضرّ بك المشركون الذين يهلكون على يديك.
وفي رواية للبخاريّ: "وعسى الله أن يرفعك"؛ أي: يُطيل عمرك، قال في "الفتح": وكذلك اتّفق، فإنه عاش بعد ذلك أزيد من أربعين سنةً، بل قريبًا