وقال القرطبيّ: "يتكفّفون الناس": يسألون الصدقة من أكُفّ الناس، أو يسألونهم بأكفّهم. انتهى (?).

قال في "الفتح": وقع في رواية الزهريّ أن سعدًا قال: "وأنا ذو مال"، ونحوه في رواية عائشة بنت سعد عند البخاريّ في "الطبّ"، وهذا اللفظ يؤذن بمال كثير، وذو المال إذا تصدق بثلثه، أو بشطره، وأبقى ثلثه بين ابنته وغيرها لا يصيرون عالة، لكن الجواب أن ذلك خرج على التقدير؛ لأن بقاء المال الكثير إنما هو على سبيل التقدير، وإلا فلو تصدق المريض بثلثيه مثلًا، ثم طالت حياته، ونَقَصَ وفَنِيَ المالُ فقد تُجحِفُ الوصيةُ بالورثة، فرَدّ الشارع الأمر إلى شيء معتدل، وهو الثلث. انتهى (?).

وقوله: (وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً) معطوف على خبر "إنّك"، وهو علّة للنهي عن الوصيّة بأكثر من الثلث، كأنه قيل: لا تفعل؛ لأنك إن متّ، تركتَ ورثتك أغنياء، وإن عِشْتَ تصدّقتَ، وأنفقتَ، فالأجر حاصلٌ لك في الحالين.

(تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ، إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا) وفي رواية البخاريّ: "وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة"، وقوله في هذه الرواية: "تبتغي بها وجه الله ... إلخ" فيه التقييد بابتغاء وجه الله، وتعليق حصول الأجر بذلك، وهو المعتبَر، ويُستفاد منه أن أجر الواجب يزداد بالنيّة؛ لأن الإنفاق على الزوجة واجبٌ، وفي فعله الأجر، فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك، قاله ابن أبي جمرة، قال: ونَبَّهَ بالنفقة على غيرها، من وجوه البرّ والإحسان.

(حَتَّى اللُّقْمَةُ) بالنصب عطفًا على "نفقةً"، ويجوز الرفع، على أنه مبتدأ، وجملة "تجعلها ... إلخ" حال منه، أو نعتٌ، والخبر محذوف، تقديره: صدقة، وقال القرطبيّ رحمه الله: يجوز في "اللقمة" النصب على عطفها على "نفقةً"، وأظهر من ذلك أن تنصبها بإضمار فعل؛ لأن الفعل قد اشتغل عنها بضمير، وهذا كقول العرب: "أكلت السمكة حتى رأسها أكلته"، وقد أجازوا في "رأسها" الرفع، والنصب، والجرّ، وأوضح هذه الأوجه النصب، وأبعدُها الخفض، وكلّ ذلك جائز في "حتى اللقمة" ههنا، فنزِّلْه عليه، والذي قرأت به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015