(إِنَّكَ أِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ) وفي رواية: "أن تَدَع"؛ أي: تتركهم، وهو بفتح "أَنْ" على التعليل، وكسرها على الشرطيّة، قال القاضي عياض رحمه الله رَوَينا قوله: "أن تذر" بفتح الهمزة، وكسرها، وكلاهما صحيح، وقال القرطبيّ: روايتنا في "أن تذر" بفتح الهمزة، و"أن" مع الفعل بتأويل المصدر في موضع رفع بالابتداء، وخبره "خيرٌ" المذكور بعده، والمبتدأ وخبره خبر "إنك"، تقديره: إنك تركُك ورثتَكَ أغنياء خيرٌ من تركهم فقراء، قال: وقد وَهِمَ من كسَر الهمزة من "إن"، وجعلها شرطًا؛ إذ لا جواب له، ويبقى "خيرُ" لا رافع له، فتأمله. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?)، وسيأتي توهيمه في توهيم من كسر الهمزة، فتنبّه.
وقال ابن الجوزيّ رحمه الله: سمعناه -يعني: قوله: أن تذر- من رواة الحديث بالكسر، وأنكره شيخنا عبد الله بن أحمد -يعني: ابن الخشاب- وقال: لا يجوز الكسر؛ لأنه لا جواب له؛ لخلوّ لفظ "خير" من الفاء، وغيرها مما اشتُرط في الجواب (?).
وتُعُقِّب بأنه لا مانع من تقديره، وقال ابن مالك رحمه الله: جزاء الشرط قوله: "خيرٌ"؛ أي: فهو خير، وحذفُ الفاء جائزٌ، قال: ومن خَصّ ذلك بالشِّعر بَعُدَ عن التحقيق، وضَيَّق حيث لا تضييق؛ لأنه كثير في الشعر، قليل في غيره، وأشار بذلك إلى ما وقع في الشعر، فيما أنشده سيبويه [من البسيط]:
مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا ... وَالشَرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مِثْلَانِ
أي: فالله يشكرها، وإلى الردّ على من زعم أن ذلك خاصّ بالشعر قال: ونظيره قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث اللقطة: "فإن جاء صاحبها، وإلا استَمْتِعْ بها" بحذف الفاء، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث اللعان: "البينةُ، وإلا حَدٌّ في ظهرك". انتهى (?).
(وَرَثَتَكَ) قال الزين ابن الْمُنَيِّر رحمه الله: إنما عبَّر له -صلى الله عليه وسلم- بلفظ الورثة، ولم