البخاريّ: "قال: الثلثُ، والثلث كبير، أو كثير"، وكذا للنسائيّ من طريق أبي عبد الرحمن السُّلَميّ، عن سعد، وفيه: "فقال: أوصيتَ؟ فقلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بمالي كله، قال: فما تركت لولدك؟ "، وفيه: "أَوْصِ بالعُشر، قال: فما زال يقول، وأقول، حتى قال: أوصِ بالثلث، والثلث كثير، أو كبير"؛ يعني: بالمثلثة، أو بالموحدة، وهو شكّ من الراوي، والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة، ومعناه: كثير بالنسبة إلى ما دونه.

قال: وقوله: "قال: الثلث، والثلث كثير" بنصب الأول على الإغراء؛ أي: الزم الثلث، أو بفعل مضمَر، تقديره: أَعْطِ، أو أَمْضِ، أو نَفّذ الثلثَ، واستبعد هذا الوجه القرطبيّ، ولا بُعْد فيه، ويجوز رفعه على أنه فاعل لفعل محذوف؛ أي: يكفيك الثلثُ، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الكافي الثلثُ، أو مبتدأ والخبر محذوف؛ أي: الثلثُ كافٍ.

وقوله: (وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) مبتدأ وخبره، وهو يَحْتَمِل أن يكون مسوقًا لبيان الجواز بالثلث، وأن الأَولى أن ينقص عنه، ولا يزيد عليه، وهو ما يبتدره الفهم، وَيحْتَمِل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل؛ أي: كثير أجره، ويَحْتَمِل أن يكون معناه: كثير غيرُ قليل، قال الشافعيّ رحمه الله: وهذا أولى معانيه؛ يعني: أن الكثرة أمر نِسْبِيّ، وعلى الأول عَوَّل ابنُ عباس -رضي الله عنهما- كما سيأتي في الحديث الآتي آخر الباب، أفاده في "الفتح" (?).

وقال النوويّ رحمه الله: وفي هذا الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: إن كانت الورثة أغنياء استُحِبّ أن يوصى بالثلث تبرعًا، وإن كانوا فقراء استُحِبّ أن ينقص من الثلث، وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته، وأجمعوا على نفوذها بإجازته في جميع المال، وأما من لا وارث له فمذهبنا، ومذهب الجمهور، أنه لا تصح وصيته فيما زاد على الثلث، وجوّزه أبو حنيفة، وأصحابه، وإسحاق، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، ورُوي عن عليّ، وابن مسعود -رضي الله عنهما-. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015