وقوله: (يَبِيتُ) تقدّم أنه صفة ثالثة "لامرىء"، ويجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال، أو هي الخبر، ومتعلّق "يبيت" محذوف، تقديره: آمنًا، أو ذاكرًا، وقدّره ابن التين: مَوْعُوكًا، والأول أولى؛ لأن استحباب الوصيّة لا يختصّ بالمريض، نعم قال العلماء: لا يُندب أن يكتب جميع الأشياء المحقّرة، ولا ما جرت العادة بالخروج منه، والوفاء له عن قرب، والله تعالى أعلم، ذكره في "الفتح" (?).
(لَيْلَتَيْنِ) ظرف لـ "يبيتُ"، قال في "الفتح": كذا لأكثر الرواة، ولأبي عوانة، والبيهقيّ من طريق حمّاد بن زيد، عن أيوب: "يبيت ليلة أو ليلتين"، ولمسلم، والنسائيّ من طريق الزهريّ، عن سالم، عن أبيه: "يبيت ثلاث ليال".
وكأنّ ذكر الليلتين، والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها، فَفُسح له هذا القدر؛ ليتذكّر ما يحتاج إليه، واختلاف الروايات فيه دالّ على أنه للتقريب، لا للتحديد، والمعنى: لا يمضى عليه زمان، وإن كان قليلًا، إلا ووصيّته مكتوبة.
وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير، وكأن الثلاث غاية للتأخير، ولذلك قال ابن عمر في رواية سالم الآتية: "لم أَبِتْ ليلةً منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك، إلا ووصيتي عندي".
قال الطيبيّ: في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة؛ أي: لا ينبغي أن يبيت زمانًا ما، وقد سامحناه في الليلتين والثلاث، فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك.
وقال القرطبيّ: المقصود بذكر الليلتين، أو الثلاث التقريب، وتقليل مدّة ترك كَتْب الوصيّة، ولذلك لمّا سمعه ابن عمر لم يبت ليلة إلا بعد أن كتب وصيّة، والحزم المبادرة إلى كتبها أوّلَ أوقات الإمكان؛ لإمكان بغتة الموت التي لا يأمنها العاقل ساعة.
ويحتمل أن يكون إنما خصّ الليلتين بالذكر فسحة لمن يحتاج إلى أن