وعلى هذا أكثر العلماء، وجماعة أهل الفتوى في الفرق بين العمرى والسكنى، وقالوا: لا تنصرف إلى صاحبها أبدًا، وكان الشعبيّ يقول: إذا قال: هو لك سكنى حتى تموت، فهو له حياته وموته، وإذا قال: داري هذه اسكنها حتى تموت، فإنها ترجع إلى صاحبها.

وأما قول جابر: فذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أعمرت امرأة بالمدينة حائطًا لها ابنًا لها، ثم تُوُفِّي، وترك ولدًا، وتوفيت بعده، وتركت ولدين أخوين سوى الْمُعْمَر، أظنه قال: فقال ولد المعمِرة: يرجع الحائط إلينا، وقال ولد المعمَر: بل كان لأبينا حياته وموته، فاختصموا إلى طارق مولى عثمان، فدخل جابر، فشَهِد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى لصاحبها، فقضى بذلك طارق، ثم كتب إلى عبد الملك، فأخبره بذلك، وأخبره بشهادة جابر، فقال عبد الملك: صدق جابر، وأمضى ذلك طارق، وقال: ذلك الحائط لبني المعمَر حتى اليوم.

وروى يعلى بن عبيد وغيره، عن الثوريّ، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: لا تحل العمرى، ولا الرقبى، فمن أُعمِر شيئًا فهو له، ومن أُرقِب شيئًا فهو له. وهو قول طاوس، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وبه كان يقضي شريح.

وقال من ذهب إلى هذا القول: إنه لا يصح لأحد أن يَدَّعِيَ العمل في هذه المسألة بالمدينة؛ لأن الخلاف في المدينة فيها قديمًا وحديثًا أشهر من أن يُحتاج إلى ذكره.

واحتجوا أيضًا بما حدّثناه عبد الرحمن بن يحيى، ثم ساق بسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرى جائزة لأهلها، أو ميراث لأهلها"، وروى حماد بن سلمة، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عن محمد ابن الحنفية، عن معاوية بن أبي سفيان، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرى جائزة لأهلها"، ثم بسنده أيضًا إلى جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرى ميراث لأهلها"، وساق أيضًا بسنده إلى جابر -رضي الله عنه- أن المهاجرين لمّا قدِموا على الأنصار، جَعَل الأنصار يُعمرونهم دورهم حياتهم، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال للأنصار: "أمسكوا عليكم أموالكم، لا تُعمروها، فإنه من أَعمر شيئًا فهو له ولورثته إذا مات".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015