قال: وفي هذه المسألة قول ثالث، قاله أبو ثور، وداود بن عليّ، وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن، وابن شهاب، وابن أبي ذئب، قالوا: إذا قال الرجل: هذه الدار، وهذا الشيء لك عمري، أو عمرك، أو حياتي، أو حياتك، فإن ذلك ينصرف إلى المعطي إذا مات المعطِي، وانقضى الشرط، فإن مات المعطي قبل انقضاء الشرط انصرف إلى ورثته، وليس في هذا تمليك شيء من الرقاب، حتى يكون فيه ذكر العقب، وإذا قال المعطي: هو لك ولعقبك، زال ملك المعطي عنها، وصارت ملكًا للمعطى يورث عنه، وقد رُوي عن يزيد بن قُسيط مثل هذا القول أيضًا، وحجة من ذهب إليه حديث أبي سلمة، عن جابر من رواية ملك وغيره، عن ابن شهاب، وقد تقدم ذكره، قالوا: فهذا هو الثابت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من رواية الثقات الفقهاء الأثبات، قالوا: وليس حديث أبي الزبير مما يعارَض به حديث ابن شهاب، ولا في حديث أبي هريرة، وزيد بن ثابت، ومعاوية بيان، وهي مُحْتَمِلة للتأويل، وحديث ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن جابر حديث مُفَسَّر، يرتفع معه الإشكال؛ لأنه جَعَل لذِكْر العقب حكمًا، وللسكوت عنه حكمًا يخالفه، وبه أفتى أبو سلمة، وإليه كان يذهب ابن شهاب، وهم رواة الحديث، وإليهم يُنصَرف في تأويله، مع موضعهم من الفقه والجلالة، وليس مَن خالفهم ممن يقاس بهم.

قالوا: وحديث معمر حديث صحيح، لا معنى لقول من تكلم فيه؛ لأن معمرًا من أثبت الناس في ابن شهاب، وأحسنهم نقلًا عنه، لا سيما ما حَدَّث به باليمن من كتبه، وإنما وُجد عليه شيءٌ من الغلط فيما حَدَّث به من حفظه بالعراق، وحديثه هذا من رواية أهل اليمن عنه صحيح.

قال ابن عبد البرّ رحمه الله: هذا كله معنى ما احتج به القوم، ومن ذهب مذهبهم، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وبحث أنيس.

قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله في استعراض المذاهب، وأدلّتها في هذه المسألة، وأفاد، والذي ظهر لي من خلال دراستي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015