قال الجامع: سكت ابن عبد البرّ رحمه الله عن التعليق على هذا المتمسّك، ويا ليته لم يسكت، والجواب عنه واضح، وهو أن ثبوت الملك، وزواله ليس من شرطه الإجماع، وإنما الشرط ثبوت الدليل فيه، من نصّ كتاب الله، أو سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة، فإذا ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نصّ في إثباته أو زواله، فهو المتمسّك، سواء حصل الإجماع على ذلك، أم لم يحصل، وما هنا كذلك، فقد أزال النصّ ملك الْمُعْمِر -بالكسر- وأدخله في ملك الْمُعْمَرِ له - بالفتح- فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى وليّ التوفيق.
قال أبو عمر رحمه الله: نحن نذكر اختلاف الفقهاء في هذا الباب على شرطنا في هذا الكتاب لنبيّن بذلك موضع الصواب، وبالله التوفيق. فأما مالك رحمه الله، فقد ذكرنا أن العمرى والسكنى عنده سواء، وهو قول الليث، وقول القاسم بن محمد، ويزيد بن قُسيط، قال مالك: فإذا أعمره حياته، وأسكنه حياته، فهو شيء واحد، فإن أراد الْمُعْمَر أن يُكريها فإنه يُكريها قليلًا قليلًا، ولا يبعد الكراء، قال: وللمعمَر أن يبيع منافع الدار، وسكناه فيها من الذي أعمره، ولا يبيعها من غيره.
وقال أبو حنيفة، والشافعيّ، وأصحابهما، وهو قول الثوريّ، والحسن بن حيّ، وابن شُبْرُمة، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد: الْعُمْرَى بهذا اللفظ هبة مبتوتة، يملكها المعمَر ملكًا تامًّا، رقبتها ومنافعها، واشترطوا فيها القبض على أصولهم في الهبات، قالوا: ومن أَعمر رجلًا شيئًا في حياته، فهو له حياتَهُ وبعد وفاته لورثته؛ لأنه قد مَلَك رقبتها، وشرطُ المعطي، وذكره العمرى، والحياة باطلٌ؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبطل شرطه، وجعلها بَتْلَةً للمعطَى، وسواءٌ قال: هي ملك حياتك، وهي لك ولعقبك بعدك عمري وحياتهم، أو ما عشت، وعاشوا، كل ذلك باطلٌ؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبطل الشرط في ذلك، وإذا بطل شرطه لنفسه في حياة المعمَر، فكذلك حياة عقبه الشرط أيضًا باطل، وكل شرط أبطله الله أو رسوله فهو مردودٌ؛ لأن في إنفاذه تحليل الحرام، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمنون على شروطهم، إلا شرطًا أحلّ حرامًا أو حرّم حلالًا" (?)، وقال: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"؛ يعني: ليس في