ورواه الليث، عن ابن شهاب بإسناده، قال: "من أعمر رجلًا عُمْرَى له ولعقبه، فقد قَطَع قولُهُ حَقَّه فيها، وهي لمن أُعمِرها ولعقبه"، حدّثنا بحديث الليث أحمدُ بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: حدّثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدّثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدّثنا أبو النضر، قال: حدّثنا الليث بن سعد، قال: حدّثني الزهريّ، عن أبي سلمة، عن جابر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول، فذكره حرفًا بحرف.
قال أبو عمر: فهذا ما في حديث ابن شهاب، والمعنى في ذلك متقارب، يَشُدّ بعضه بعضًا، لكن مالك رحمه الله لم يقل بظاهر هذا الحديث؛ لِمَا رواه عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه سمع مكحولًا الدمشقيّ يسأل القاسم بن محمد، عن العمرى، وما يقول الناس فيها، فقال القاسم: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم، وفيما أَعْطَوْا، والقاسم قد أدرك جماعة من الصحابة، وكبار التابعين، وقال مالك: الأمر عندنا أن العمرى ترجع إلى الذي أَعْمَرها إذا لم يقل: لك ولعقبك، إذا مات الْمُعْمَر، وكذلك إذا قال: هي لك ولعقبك ترجع إلى صاحبها أيضًا بعد انقراض عقب المعمَر؛ لأنه على شرطه في عقب المعمَر، كما هو على شرطه في المعمَر، ورقبتها عند مالك وأصحابه على ملك صاحبها أبدًا ترجع إليه إن كان حيًّا، أو إلى ورثته بعده، وضمانها منهم، ولا يُمْلَك بلفظ العمرى، والإعمار، عند مالك رقبةُ شيء من العطايا، وإنما ذلك عنده كلفظ السكنى، والإسكان سواءً، لا يُملَك بذلك إلا المنافع، دون الرقاب، وهي ألفاظ عندهم لا يُملك بها الرقاب، وإنما يملك بها المنافع، منها: العمرى، والسُّكْنَى، والعارية، والإطراق، والمنحة، والإحبال، والإفقار، وما كان مثلها.
قال أبو إسحاق الحربيّ: سمعت ابن الأعرابيّ يقول: لم تختلف العرب في أن هذه الأسماء على ملك أربابها، ومنافعُها لمن جُعِلت له، العمرى، والرقبى، والإفقار، والإخبال (?)، والعرية، والسكنى، والإطراق.