وقال أبو حنيفة بالصحة كنحو مذهبنا، وبه قال الثوريّ، والحسن بن صالح، وأبو عبيدة، وحجة الشافعيّ وموافقيه هذه الأحاديث الصحيحة. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله: اختَلَف العلماء في العمرى على ثلاثة أقوال:

[أحدها]: ما تقدَّم، وهي أنها تمليك منافع الرَّقبة، وهو قول القاسم بن محمد، ويزيد بن قُسَيط، واللَّيث بن سعد، وهو مشهور مذهب مالك، وأحد أقوال الشافعيّ، وقال مالك: وللمُعْمِر أن يُكريها ولا يُبْعِد، وله أن يبيعها من الذي أعطاها، لا من غيره.

[وثانيها]: أنها تمليك الرَّقبة ومنافعها، وهي هبة مبتولة، وهو قول أبي حنيفة، والشافعيّ، وأصحابهما، والثوريّ، والحسن بن حيّ، وأحمد بن حنبل، وابن شُبْرُمة، وأبي عبيد؛ قالوا: من أعمر رجلًا شيئًا حياته فهو له حياته، وبعد وفاته لورثته؛ لأنه قد مَلَك رقبتها، وشرط المعطي الحياةَ أو العمر باطل؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أبطل شرطه، وجعلها بَتْلةً، وسواء قال: هي لك حياتك، أو: هي لك ولعقبك بعدك.

[وثالثها]: إن قال: عمرك؛ ولم يذكر العقب كان كالقول الأول، وإن قال: لك ولعقبك؛ كان كالقول الثاني، وبه قال الزهريّ، وأبو ثور، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن أبي ذئب، وقد روي عن مالك، وهو ظاهر قوله في "موطأ" يحيى بن يحيى.

فأهل القول الأول تمسَّكوا بأصل اللغة، وعضدوا ذلك بما رواه ابن القاسم عن مالك قال: رأيت محمدًا وعبد الله ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعبد الله يعاتب محمدًا -وهو يومئذ قاض- فيقول له: ما لك لا تقضي بحديث ابن شهاب في العُمْرى؟ فقال: يا أخي! لم أجد النَّاس عليه، وأباه الناس، قال مالك: ليس عليه العمل، ولوددت أنه مُحِي، وعضدوه أيضًا بأن قالوا: الأصل بقاء ملك المعطي للرَّقبة بإجماع، ولم يَرِدْ قاطع بإخراجه عن يده قبل الإعمار، وتأولوا جميع تلك الظواهر الواردة في الباب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015