وأما أهل القول الثاني: فظواهر الأحاديث معهم، غير أنَّهم لا يُسلَّم لهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبطل شرط العمر؛ لأنَّه لو أبطله لبطلت العمرى بالكليَّة، ولامتنع إطلاق ذلك الاسم عليها، ولم تبطل؛ لأن الأصل في شروط المسلمين صحتها وبقاؤها بدليل قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم"؛ ذكره أبو داود، وغيره، عن أبي هريرة (?).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لا يُسلّم لهم ... إلخ" فيه نظر؛ كيف لا يسلّم لهم؟ ، وقد صحّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا يلزم من بطلان الشرط بطلان العمرى؛ إذ لا تلازم بينهما، كما لا يخفى على المتأمل، والله تعالى أعلم.

قال: فإن قيل: هذا من الشروط التي قد أبطلها الشرع بقوله: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"؛ قلنا: لا نسلّم أنَّه ليس في كتاب الله؛ لأن كتاب الله هنا يراد به: حكم الله؛ بدليل السبب الذي خرج عليه الحديث المتقدِّم، وقد تقدَّم في العتق.

قال الجامع: هذا الحديث حجة عليه، لا له؛ لأن الشرط الذي أبطله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما بطل بحكم الله، فتأمّل، والله تعالى أعلم.

قال: ثم يلزم على هذا إبطال المنحة، والإفقار، والعارية، فإنَّها كلها عطايا بشروط، وليست كذلك باتفاق.

قال الجامع: أيضًا هذا غير مقبول؛ لأن هذه الأشياء صحّت شرعًا مع شروطها، فلا يعارضها ما نحن فيه، فتأمّل، والله تعالى أعلم.

قال: فإن قيل: فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن أبي ذئب في "موطئه" من حديث جابر -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أنَّه قضى فيمن أَعْمَر عُمْرى له ولعقبه، فهي بتلةٌ، لا يجوز للمعطي فيها شرط، ولا مثوبة (?)، وهذا صريح في إبطال الشرط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015