بذلك أن حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ليس على عمومه، بل هو في شيء خاصّ، وهو ما إذا ترك بنتًا وعَمًّا وعمّةً، فإن للبنت النصفَ، وما بقي للعمّ دون العمة إجماعًا، قال فاقتضى النظر ترجيح إلحاق الأخت مع الأخ بالابن والبنت، لا بالعم والعمة؛ لأن الميت لو لم يترك إلا أخًا وأختًا شقيقتين، فالمال بينهما، فكذلك لو تَرَك ابن ابن وبنت ابن، بخلاف ما لو ترك عمًّا وعمّةً، فإن المال كله للعم دون العمة باتفاقهم.

قال: وأما الجواب عما احتجوا به من الآية، فهو أنهم أجمعوا على أن الميت لو تَرَكَ بنتًا وأخًا لأب، كان للبنت النصف، وما بقي للأخ، وأن معنى قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} إنما هو ولد يحوز المال كله، لا الولد الذي لا يحوز. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قد شرح الحافظ ابن رجب رحمهُ اللهُ هذا الحديث شرحًا مطوّلًا، فأجاد وأفاد، أحببت إيراده هنا، وإن كان بعضه تقدّم، إلا أن فيه زوائد يستفاد منها.

قال رحمهُ اللهُ: وقد اختَلَف العلماء في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألحقوا الفرائض بأهلها":

فقالت طائفة: المرادُ بالفرائض الفروضُ المقدرة في كتاب الله تعالى، والمراد: أعطوا الفروض المقدرة لمن سمَّاها الله لهم، فما بقي بعدَ هذه الفروض، فيستحقّه أولى الرجال، والمراد بالأوْلى: الأقربُ، كما يقال: هذا يلي هذا؛ أي: يَقرُبُ منه، فأقربُ الرجال هو أقربُ العصبات، فيستحقُّ الباقي بالتعصيب.

وبهذا المعنى فسّرَ الحديثَ جماعةٌ من الأئمة، منهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، نقله عنهما إسحاق بن منصور، وعلى هذا، فإذا اجتمع بنت وأختٌ وعمٌّ أو ابنُ عم أو ابنُ أخ، فينبغي أنْ يأخذَ الباقي بعدَ نصف البنتِ العصبة، وهذا قولُ ابنِ عباس -رضي الله عنهما-، وكان يتمسَّكُ بهذا الحديث، ويُقرُّ بأنَّ الناسَ كلَّهم على خلافه، وذهبت الظاهرية إلى قوله أيضًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015