في كتب الفقهاء، كصاحب "النهاية"، وتلميذه الغزاليّ: "فلأولى عصبة ذكر"، قال ابن الجوزيّ، والمنذريّ: هذه اللفظة ليست محفوظة، وقال ابن الصلاح: فيها بُعْدٌ عن الصحة من حيث اللغة، فضلًا عن الرواية، فإن العصبة في اللغة اسم للجمع، لا للواحد، كذا قال، قال الحافظ: والذي يظهر أنه اسم جنس، ويدلّ عليه ما وقع في بعض طرق حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاريّ: "فليرثه عصبته من كانوا".
قال ابن دقيق العيد: قد استُشكل بأن الأخوات عَصَّبت البنات، والحديث يقتضي اشتراط الذكورة في العصبة المستحقّ للباقي بعد الفروض.
والجواب: أنه من طريق المفهوم، وقد اختُلِف هل له عموم، وعلى التنزل فيُخَصّ بالخبر الدال على أن الأخوات عصبت البنات.
وقد استُشكل التعبير بِذَكَر بعد التعبير بِرَجُل، فقال الخطابيّ: إنما كُرِّر للبيان في نعته بالذكورة؛ ليعلم أن العصبة إذا كان عمًّا، أو ابن عَمّ مثلًا، وكان معه أخت له أن الأخت لا ترث، ولا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
وتُعُقِّب بأن هذا ظاهر من التعبير بقوله: "رجل"، والإشكال باقٍ، إلا أن كلامه ينحلّ إلى أنه للتأكيد، وبه جزم غيره، كابن التين، قال: ومثله: "ابنُ لبون ذَكَرٍ"، وزَيَّفه القرطبيّ، فقال: قيل: إنه للتأكيد اللفظيّ، ورُدّ بأن العرب إنما تؤكد حيث يفيد فائدةً، إما تعيّن المعنى في النفس، وإما رفعُ توهّم المجاز، وليس ذلك موجودًا هنا.
وقال غيره: هذا التوكيد لمتعلَّق الحكم، وهو الذكورة؛ لأن الرجل قد يراد به معنى النَّجْدة والقُوّة في الأمر، فقد حَكَى سيبويه: مررت برجل رجلٍ أبوه، فلهذا احتاج الكلام إلى زيادة التوكيد بِذَكَرٍ، حتى لا يُظَنّ أن المراد به خصوص البالغ، وقيل: خشية أن يُظَنّ بلفظ رجل الشخص، وهو أعم من الذكر والأنثى.
وقال ابن العربيّ: في قوله: "ذَكَرٍ" الإحاطة بالميراث إنما تكون للذكر دون الأنثى، ولا يَرِدُ قول من قال: إن البنت تأخذ جميع المال؛ لأنها إنما تأخذه بسببين متغايرين، والإحاطة مختصة بالسبب الواحد، وليس إلا الذكر،