وفرَّقت طائفة ثالثة؛ فقالت: يرث ماله الذي كان له قبل ردَّته ورثته المسلمون، وما استفاده بعد الرَّدة فيءٌ، وهو قول الثوريِّ، وأبي حنيفة، قال: والعموم المتقدم حجَّة على هؤلاء الطائفتين. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن أرجح المذاهب في هذه المسألة هو المذهب الأول، وهو أن المرتدّ لا يرثه أحد من المسلمين؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرث المسلم الكافر"، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في توريث الكفّار بعضهم من بعض:
قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: وأما توريث الكفار بعضهم من بعض؛ كاليهوديّ من النصرانيّ وعكسه، والمجوسيّ منهما، وهما منه، فقال به الشافعيّ، وأبو حنيفة -رضي الله عنهما-، وآخرون، ومنعه مالك، قال الشافعيّ: لكن لا يرث حربيّ من ذميّ، ولا ذميّ من حربيّ، قال أصحابنا: وكذا لو كانا حربيين في بلدين متحاربين لم يتوارثا، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (?).
وقال في "الفتح": والأصح عند الشافعية أن الكافر يرث الكافر، وهو قول الحنفية، والأكثر، ومقابله عن مالك، وأحمد، وعنه التفرقة بين الذميّ والحربيّ، وكذا عند الشافعية، وعن أبي حنيفة: لا يتوارث حربيّ من ذميّ، فإن كانا حربيين شَرَط أن يكونا من دار واحدة، وعند الشافعية لا فرق، وعندهم وجه كالحنفية.
وعن الثوريّ، وربيعة، وطائفة: الكفر ثلاث مِلَل: يهودية، ونصرانية، وغيرهم، فلا ترث ملة من هذه من ملة من الملتين، وعن طائفة من أهل المدينة والبصرة: كلُّ فريق من الكفار ملة، فلم يورثوا مجوسيًّا من وثنيّ ولا يهوديًّا من نصرانيّ، وهو قول الأوزاعيّ، وبالغَ، فقال: ولا يرث أهل نحلة من دين واحد أهل نحلة أخرى منه، كاليعقوبية، والملكية، من النصارى. انتهى (?).