معاذ، ومعاوية، وابن المسيب، ومسروق، وغيرهم. ورُوي عن أبي الدرداء، والشعبيّ، والنخعيّ، والزهريّ، وإسحاق، والحديث المتقدِّم حجُّةٌ عليهم، ويَعْضُده حديث أسامة بن زيد؛ وهو: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يتوارث أهل ملتين"، ونحوه في كتاب أبي داود، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه.
وقد احتُجَّ للقول الثاني بما خرَّجه أبو داود من حديث يحيى بن يعمر؛ واختصم إليه أخوان - يهودي ومسلم، فورَّث المسلم منهما، وقال: حدثني أبو الأسود: أن رجلًا حدثه: أن معاذًا قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الإسلام يزيد، ولا ينقص" (?)؛ فورَّث المسلم، وبما يُحكى عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أنَّه قال -إن صحَّ-: "إن الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه" (?)، وبقياس الميراث على النكاح قالوا: كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم، ولا يجوز لهم أن ينكحوا نساءنا؛ كذلك يجوز لنا أن نرثهم ولا يرثونا.
قال القرطبيّ: ولا حجَّة لهم في شيء مما ذكروه، وأمَّا الحديثان، فلا يصحُّ منهما شيء، أمَّا الأول، فلأن فيه مجهولًا، وأمَّا الثاني، فكلامٌ يُحكى، ولا يُروى، سلَّمنا صحتهما، لكنَّا نقول بموجبهما، فإن دين الإسلام لم يزل يزيد إلى أن كَمُل في الحين الذي أنزل الله تعالى فيه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، ولم ينقص من أحكامه ولا شريعته التي شاء الله تعالى بقاءها شيءٌ، وقد أعلاه الله تعالى، وأظهرَه على الدّين كلّه، وكما وعدنا تعالى. سلَّمنا ذلك، لكن الأحاديث الأُوَلُ أرجح؛ لأنها متفق على صحتها، وهي نصوص في المطلوب، والقياس الذي ذكروه فاسد الوضع؛ لأنَّه في مقابلة النَّصّ، ولخلّوه عن الجامع. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من ذكر الأقوال، وأدلّتها أن أرجح المذاهب في هذه المسألة هو ما عليه الجمهور، من أنه لا يرث المسلم