أن يجعل قَدْرًا معلومًا؛ لأنه لا يُدرى كم يترك، فوجب جزء شائع؛ كالثُّمُن، والربع.
ومنها: أن القرابة نوعان:
أحدهما: ما يقتضي المشاركة في الحسب والمنصب، وأن يكونا من قوم واحد، وفي منزلة واحدة.
وثانيهما: ما لا يقتضي المشاركة في الحسب والنسب والمنزلة، ولكنه مَظِنّة الودّ والرفق، وأنه لو كان أمر قسمة التركة إلى الميت لَمَا جاوز تلك القرابة، ويجب أن يُفَضَّل النوع الأول على الثاني؛ لأن الناس عربهم وعجمهم يرون إخراج منصب الرجل، وثروته من قومه إلى قوم آخرين جورًا وهضمًا، ويسخطون على ذلك، وإذا أُعطي مال الرجل ومنصبه لمن يقوم مقامه من قومه، رأوا ذلك عدلًا، ورضوا به، وذلك كالجبلّة التي لا تنفك منهم، إلا أن تقطع قلوبهم، اللهم إلا في زماننا حين اختلت الأنساب، ولم يكن تَناصُرهم بنسبهم، ولا يجوز أن يُهْمَل حق النوع الثاني أيضًا بعد ذلك، ولذلك كان نصيب الأم مع أن بِرّها أوجب، وصلتها أوكد أقل من نصيب البنت والأخت، فإنها ليست من قوم ابنها، ولا من أهل حسبه ونسبه ومنصبه وشرفه، ولا ممن يقوم مقامه، ألا ترى أن الابن ربما يكون هاشميًّا، والأم حبشية، والابن قرشيًّا، والأم عجمية، والابن من بيت الخلافة، والأم مغموصًا عليها بعهر ودناءة، أما البنت والأخت فهما من قوم المرء، وأهل منصبه، وكذلك أولاد الأم لم يرثوا حين ورثوا إلا ثلثًا، لا يزاد لهم عليه البتة، ألا ترى أن الرجل يكون من قريش، وأخوه لأمه من تميم، وقد يكون بين القبيلتين خصومة، فينصر كل رجل قومه على قوم الآخر، ولا يرى الناس قيامه مقام أخيه عدلًا، وكذلك الزوجة التي هي لاحقة بذوي الأرحام داخلة في تضاعيفها، لم تجد إلا أوكس الأنصباء، وإذا اجتمعت جماعة منهنّ اشتركن في ذلك النصيب، ولم يَرْزَأْنَ سائر الورثة البتة، ألا ترى أنها تتزوج بعد بعلها زوجًا غيره، فتنقطع العلاقة بالكلية.
وبالجملة فالتوارث يدور على معان ثلاثة: القيام مقام الميت في شرفه ومنصبه، وما هو من هذا الباب، فإن الإنسان يسعى كل السعي ليبقى له خلف يقوم مقامه.