مبتدأُ مصيره شارعًا، قال إمام الحرمين وغيره: ولا يحتاج ما يجعله شارعًا إلى لفظ في مصيره شارعًا ومُسَبَّلًا، هذا ما ذكره أصحابنا فيما يتعلق بهذا الحديث.
وقال آخرون: هذا في الأفنية، إذا أراد أهلها البنيان، فيُجعَل طريقهم عرضه سبعة أذرع؛ لدخول الأحمال والأثقال، ومخرجها، وتلاقيها، قال القاضي عياض: هذا كله عند الاختلاف، كما نُصَّ عليه في الحديث، فأما إذا اتَّفَق أهل الأرض على قسمتها، وإخراج طريق منها كيف شاؤوا فلهم ذلك، ولا اعتراض عليهم؛ لأنها ملكهم. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال الإمام البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ في "صحيحه": "باب إذا اختلفوا في الطريق الْمِيتاء، وهي الرَّحْبة تكون بين الطريق، ثمّ يريد أهلها البنيان، فتُرك منها للطريق سبعة أذرُع". انتهى.
قال في "الفتح": قوله: "وهي الرَّحْبَة تكون بين الطريقين، ثم يريد أهلها البنيان إلخ ... " وهو مصير منه إلى اختصاص هذا الحكم بالصورة التي ذكرها، وقد وافقه الطحاويّ على ذلك، فقال: لم نجد لهذا الحديث معنى أولى من حمله على الطريق التي يُراد ابتداؤها، إذا اختَلَف من يبتدئها في قَدْرها، كبَلَد يفتحها المسلمون، وليس فيها طريق مسلوك، وكموات يعطيه الإمام لمن يحييها، إذا أراد أن يَجعل فيها طريقًا للمارّة، ونحو ذلك، وقال غيره: مراد الحديث أن أهل الطريق إذا تراضوا على شيء كان لهم ذلك، وإن اختلفوا جُعِل سبعة أذرع، وكذلك الأرض التي تُزْرَع مثلًا إذا جَعَل أصحابها فيها طريقًا كان باختيارهم، وكذلك الطريق التي لا تُسْلَك إلا في النادر يُرجع في أفنيتها إلى ما يتراضى عليه الجيران. انتهى (?). والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.