أقلّ مُنِعَ؛ لئلا يُضَيِّق الطريقَ على غيره. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: هذا محمول على أمهات الطرق التي هي ممرّ عامة الخلق بأحمالهم، ومواشيهم، فإذا تشاحّ من له أرض تتصل بها مع من له فيها حقّ جُعِل بينهما سبع أذرع، بالذراع المتعارفة في ذلك طريقًا للناس، وخُلِّي بينهما وبين ما زاد على ذلك، وأما بنيّات الطُّرُق فبحسب ما تدلّ عليه العادة، وتدعو إليه الحاجة، وذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال المتنازعين، فليست طريقُ مَن عادته استعمال الدوابّ والمواشي وأهل البادية، كعادة من لا يكون كذلك، من أهل الحاضرة، ولا مسكن الجماعة كمسكن الواحد والاثنين، وإنما ذلك بحسب مصلحتهم، وعلى هذا يَحتاج أهل البادية من توسيع الطريق إلى ما لا يحتاج إليه أهل الحاضرة، وتَحتاج طُرُق الفيافي والقفار من التوسيع أكثر من سبع أذرع؛ لأنها مجرُّ الجيوش والرِّفاق الكبار، وكل هذا تفصيل أصحابنا -يعني: المالكيّة- وصحيح مذهب مالك، ولو جُعل الطريق في كل محلٍّ سبع أذرع لأضرّ ذلك بأملاك كثير من الناس، ويلزم أن تُجعل بنيّات الطرق من الأزقّة وغيرها كالأمهات المسلوكة للناس، وكطرق الفيافي، وذلك مُحالٌ عاديّ، وفسادٌ ضروريٌّ. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (?)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: وأما قَدْر الطريق، فإن جَعَل الرجل بعض أرضه المملوك طريقًا مُسَبَّلةً للمارّين، فقدْرها إلى خِيرته، والأفضل توسيعها، وليست هذه الصورة مرادةَ الحديث، وإن كان الطريق بين أرض لقوم، وأرادوا إحياءها، فإن اتَّفَقوا على شيء فذاك، وإن اختلفوا في قدره جُعِل سبع أذرع، وهذا مراد الحديث، أما إذا وجدنا طريقًا مسلوكًا، وهو أكثر من سبعة أذرع، فلا يجوز لأحد أن يستولي على شيء منه، وإن قلَّ، لكن له عِمارة ما حَوَاليه من الموات، ويملكه بالإحياء، بحيث لا يضرّ المارين.
قال: قال أصحابنا -يعني: الشافعيّة-: ومتى وَجدنا جادّة مستطرقةً، ومسلكًا مشروعًا نافذًا حكمنا باستحقاق الاستطراق فيه بظاهر الحال، ولا يُعتبر