قال: وأما قوله: إنه أراد الشرَّ للظالم وتمنَّاه، فنقول بجواز ذلك، ليرتدع الظالم عن شرّه، أو غيره ممن يريد الظلم والشر.
ولو سلّمنا أن ذلك لا يجوز لأمكن أن يقال: إنه لا يلزم من الدُّعاء بالشر أن يكون ذلك الشر متمنَّى، ولا مرادًا للدَّاعي، فإن الإنسان قد يدعو على ولده وحبيبه بالشر؛ بحكم بادرة الغضب، ولا يريد وقوعه به، ولا يتمناه، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (?).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما قاله القرطبيّ من جواز الدعاء على الظالم بأكثر مِن ظُلمه، فيه نظر لا يخفى؛ لمخالفته للأدلة الشرعية، كقوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ} الآية [النساء: 148]، وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الآية، وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الآية [الشورى: 40]، وكذا استدلاله بالحديثين الماضيين فيه نظر لا يخفى، كما أوضحته آنفًا، وكذا دعاء سعيد بن زيد المذكور وإن كان صحابيًّا لا يكون حجة؛ لأنه يُحمل على أنه صدر منه في حال غضبه، فلا يُتَأَسَّى به.
والحاصل أن الدعاء على المظلوم يجوز بمثل ظلمه، أو أن يأخذ الله له من ظالمه حقّه، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) الراوي، وهو محمد بن زيد: (فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ)؛ أي: تطلب (الْجُدُرَ) بضمّتين: جمع جدار، وهو الحائط، مثلُ كتاب وكُتُب، وقوله: (تَقُولُ) جملة حاليّة (أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ) -رضي الله عنه- (فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ)؛ أي: التي ادّعت على سعيد غصبها منها، فتركها لها (مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا)؛ يعني: أنها دُفنت في تلك البئر، ولعلها كانت صالحة للدفن فيها، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث سعيد بن زيد -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه: