يُفْعَل به أكثر مما ظَلم فيه، فإن الدعاء ليس مقطوعًا بإجابته، فإذا صدر عن المظلوم بحكم حرقة مظلمته، وشدَّة مَوْجِدته لم نقل: إنه صدر عنه محرَّم، وغاية ذلك: أن يكون تَرَك الأولى؛ لأنه منتصر، ولأنه لم يصبر، ولذلك قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "واتّق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، متّفقٌ عليه، ويدلّ على جواز ذلك ما رُوي: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا خَلَق الثياب، فأمره أن يلبس ثوبيه، فلمّا لبسهما قال: "ما له؟ -ضرب الله عنقه- أليس هذا خيرًا" (?)، وفي كتاب أبي داود: عن سعيد بن غزوان، عن أبيه أنه مرَّ بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتبوك، وهو يصلي، فقال: "قطع صلاتنا، قطع الله أثره"، قال: فما قمت عليهما إلى يومي هذا -يعني: رجليه-؛ فدلَّ هذا على أن الدَّعاء المذكور ليس محرَّمًا.
قال الجامع عفا الله عنه: استدلال القرطبيّ على جواز الدعاء على الظالم بأكثر مما ظَلَم غير صحيح، أما الحديث الأول فليس فيه دعاء على الظالم، وإنما هو دعاء لرجل مسلم أن ينال الشهادة، وأما الحديث الثاني فضعيف؛ لأن في سنده سعيد بن غزوان، وأبوه مجهولان، فتنبّه، والله تعالى أعلم.