ولنعد إلى كلام القرطبيّ، قال رحمه الله:

[تنبيه]: الجوارح، وإن كانت تابعة للقلب، فقد يتأثّر القلب بأعمالها، للارتباط الذي بين الباطن والظاهر، والقلب مع الجوارح كالملك مع الرعيّة، إن صلح صلحت، ثم يعود صلاحها عليه بزيادة مصالح ترجع إليه، ولذلك قيل: المَلِكُ سوقٌ، ما نفق عنده جُلب إليه.

وقد نصّ على هذا المعنى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إن الرجل ليصدق، فينكت في قلبه نكتة بيضاء، حتى يُكتب عند الله صدّيقًا، وإن الرجل ليكذب الكذبة، فيسودّ قلبه حتى يُكتب عند الله كذّابًا" (?).

وأخرج أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، قال: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع، واستغفر، وتاب صُقل قلبه، وإن عاد زيد فيها، حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14] "، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.

وقال مجاهد: القلب كالكفّ تقبض منه بكل ذنب أصبع، ثم يُطبع، وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كلّه" متّصلًا بقوله: "الحلال بيّن، والحرام بيّنٌ"؛ إشعارًا بأن أكل الحلال ينوّره، ويُصلحه، وأكل الحرام، والشبهة يُفسده، ويقسيه، ويُظلمه، وقد وجد ذلك أهلُ الورع، حتّى قال بعضهم: استسقيت جنديًّا، فسقاني شَرْبة ماء، فعادت قسوتها على قلبي أربعين صباحًا، وقيل: الأصل المصحّح للقلوب والأعمال أكل الحلال، وُيخاف على آكل الحرام، والمتشابه أن لا يُقبل له عملٌ، ولا تُسمع له دعوةٌ، ألا تَسمع قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015