ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدٌ حبشي، فإنه من يعش منكم، يرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم، فعليه بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ".
وذكر الإمام الذهبيُّ رحمه الله في "ميزان الاعتدال" عن الحافظ سعيد بن عمرو البردعيّ، أنه قال: شَهِدت أبا زرعة، وقد سئل عن الحارث بن أسد المحاسبيّ، وكتبه؟ فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه كتب بِدَعٍ وضلالات، وعليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يُغنيك، قيل له: في هذه الكتب عبرة، فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن سفيان، ومالكًا، والأوزاعيّ صنّفوا هذه الكتب في الخطرات، والوساوس، ما أسرع الناس إلى البدع.
قال الذهبيّ: مات الحارث سنة (243) وأين مثل الحارث؟ فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين، كـ "القوت" لأبي طالب، وأين مثل "القوت"؟ كيف لو رأى "بهجة الأسرار" لابن جهضم، و "حقائق التفسير" للسلميّ، لطار لبّه، كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسيّ في ذلك على كثرة ما في "الإحياء" من الموضوعات، كيف لو رأى "الغنية" للشيخ عبد القادر، كيف لو رأى "فصوص الحكم" و"الفتوحات المكيّة"، بلى لَمّا كان الحارث لسان القوم في ذلك العصر، كان معاصره ألف إمام في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل، وابن راهويه، ولَمّا صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميسيّ، وابن شحانة، كان قطب العارفين كصاحب "الفصوص"، وابن سفيان، نسأل الله العفو، والمسامحة، آمين. انتهى كلام الذهبيّ رحمه الله (?).
وبالجملة فمن لم يستغن بكتاب الله تعالى، وكتب السنة المطهرة، كالكتب الستة، وغيرها، فلا يرجى منه خير أبدًا، فعليه أن يبكي على نفسه، ويتوب إلى الله تعالى، وشماله أن يصلح قلبه، وقالبه، والله تعالى أعلم.