[والثاني]: العلم بأحكامه عليهم، ومراده منهم.
[والثالث]: العلم بمساعي القلوب، من خواطرها، وهمومها، ومحمود أوصافها، ومذمومها.
وأما أعمال القلوب، فالتحلّي بالمحمود من الأوصاف، والتخلّي من المذموم منها، ومنازلة المقامات، والترقّي عن مفضول المنازلات، إلى سنيّ الحالات.
وأما الأحوال، فمراقبة الله تعالى في السرّ والعلن، والتمكّن من الاستقامة على السنن، وإلى هذا أشار رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "أن تعبد الله كأنك تراه" متّفق عليه، وتفصيل هذه المعاقد الْجُمليّة توجد في تصانيف محقّقي الصوفيّة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بل هي مفصّلة في الكتاب والسنّة، فمن أمعن النظر، وأجال الفكر ظفر بمقاصدها، وأما ما اصطلح عليه المتأخّرون من الألفاظ المصطلحيّة، فلا حاجة للمكلّف إليها، ولا هي مما تكلّم بها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الذي جعل الله تعالى هداية الأمة على يديه، ولا كان يعرفها الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ولا التابعون لهم بإحسان، ولو سئلوا عنها لما استطاعوا أن يفهموها، فضلًا عن أن يجيبوا عنها، ولو طُلب من الأئمة الأربعة الفقهاء المحققين، أو من الأئمة الستة المحدثين الناقدين أن يحُلّوا بعض غوامضها لما وجدوا إلى ذلك سبيلًا، فهيهات هيهات أن يكون هذا من مقاصد الدين، الذي أكمله الله سبحانه وتعالي، وأتمّه، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- حيّ بين ظهراني أصحابه، فلا يقبل الزيادة ولا النقص، قال الله عز وجل في محكم كتابه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية [المائدة: 3] وقد حذّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من محدثات الأمور، فكان يقول في خطبته: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار"، رواه النسائيّ رقم (1578) بسند صحيح.
وأخرج الترمذيّ من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-، قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا، بعد صلاة الغداة، موعظة بليغة، ذَرَفت منها العيون،