يُوافق الله في أمره ونهيه، فدعواه باطل. وقال رُويم: المحبة: الموافَقة في كل الأحوال، وقال يحيى بنُ معاذ: ليس بصادقٍ من ادَّعى محبة الله ولم يحفظ حدوده، وعن بعض السَّلف قال: قرأتُ في بعض الكتب السالفة: من أحبَّ الله لم يكن عنده شيء آثرَ من رضاه، ومن أحبَّ الدنيا لم يكن عنده شيء آثر من هوى نفسه.

وفي "السنن" عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أعطى للهِ، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل الإيمان" (?)، ومعنى هذا أنَّ حركات القلب والجوارح إذا كانت كلَّها لله فقد كَمُلَ إيمانُ العبد بذلك ظاهرًا وباطنًا، ويلزمُ من صلاح حركات القلب صلاحُ حركات الجوارح، فإذا كان القلب صالحًا ليس فيه إلا إرادة الله وإرادة ما يريده لم تنبعثِ الجوارحُ إلا فيما يُريده الله، فسارعت إلى ما فيه رضاه، وكَفَّتْ عما يكرهه، وعما يخشى أنْ يكونَ مما يكرهه، وإنْ لم يتيقن ذلك.

قال الحسن: ما نظرتُ ببصري، ولا نطقتُ بلساني، ولا بطشتُ بيدي، ولا نهضتُ على قدمي حتّى أنظر على طاعةٍ أو على معصية، فإنْ كانت طاعةٌ تقدمت، وإنْ كانت معصية تأخَّرت.

وقال محمد بن الفضل البَلخيّ: ما خطوتُ منذ أربعين سنة خطوةً لغير الله، وقيل لداود الطاليّ: لو تنحيتَ من الظلِّ إلى الشمس، فقال: هذه خُطا لا أدري كيف تكتب.

فهؤلاء القوم لمّا صلحت قلوبُهم، فلم يبق فيها إرادةٌ لغير الله عز وجل، صلحت جوارحُهم، فلم تتحرّك إلا لله عز وجل، وبما فيه رضاه، والله تعالى أعلم. ذكر ذلك كلّه ابن رجب رحمه الله (?)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(المسألة التاسعة): قال أبو العبّاس القرطبي رحمه الله: ثم اعلم أن الله تعالى خصّ جنس الحيوان بهذا العضو المسمّى بالقلب، وأودع فيه المعنى الذي تنتظم به المصالح المقصودة من ذلك النوع، فتجد البهائم تدرك مصالحها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015