مِنْ ذَلِكَ، وهذا هوَ حقيقةُ التوحيد، وهو معنى "لا إله إلا الله"، فلا صلاحَ للقلوب حتَّى يكونَ إلهُها الذي تألَهُه وتعرفه وتحبُّه وتخشاه هوَ الله وحده لا شريكَ لهُ، ولو كانَ في السماوات والأرض إله يُؤَلَّه سوى الله، لفسدت بذلك السماوات والأرض، كما قالَ تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22].

فَعُلِم بذلك أنَّه لا صلاحَ للعالَمٍ العلويِ والسُّفليّ معًا حتى تكونَ حركاتُ أهلها كلُّها لله، وحركاتُ الجسدِ تابعة لحركةِ القلب وإرادته، فإنْ كانت حركتُه وإرادتُه لله وحدَه، فقد صَلَحَ وصَلَحَتْ حركاتُ الجسدِ كلِّه، وإنْ كانت حركةُ القلب وإراداته لغيرِ الله تعالى فسدَ، وفسدت حركاتُ الجسد بحسب فسادِ حركة القلب.

وروى الليثُ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: 151] قال: لا تحبُّوا غيري.

وفي "صحيح الحاكم" عن عائشة، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشركُ أخفى من دبيب الذرِّ على الصفا في اللَّيلة الظَّلماء، وأدناهُ أنْ تُحِبَّ على شيءٍ من الجور، وأنْ تُبغض على شيءٍ من العدل، وهل الدِّينُ إلا الحبُّ والبغض؟ قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] ". فهذا يدلُّ على أنَّ محبةَ ما يكرهه الله، وبغضَ ما يُحبه متابعةٌ للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفي، ويدل على ذلك قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فجعل الله علامة الصدق في محبته اتباعَ رسولِهِ، فدلَّ على أنَّ المحبة لا تتمُّ بدون الطاعة والموافقة.

قال الحسن: قال أصحابُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، إنّا نُحِبُّ ربنا حبًا شديدًا، فأحبَّ الله أنْ يجعل لحبِّه عَلَمًا، فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] ومن هنا قال الحسن: اعلم أنَّك لن تُحِبَّ الله حتى تُحِبَّ طاعته.

وسئل ذو النون: متى أُحِبُّ ربي؟ قالَ: إذا كانَ ما يُبغضه عندك أمرَّ من الصبر، وقال بشر بن السَّرِي: ليس من أعلام الحبّ أنْ تُحبَّ ما يُبغِضُه حبيبك، وقال أبو يعقوب النهرجوري: كلُّ من ادَّعى محبة الله عز وجل، ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015