وعَلَّل بأنَّه لا يُدرى: هل مات من السبب المبيح له أو من غيره؟ فيرجع فيما أصله الحلُّ إلى الحِلِّ، فلا ينجسُ الماءُ والأرض والثوبُ بمجرّد ظنِّ النجاسة، وكذلك البَدَنُ إذا تحقق طهارته، وشكَّ: هل انتقضت بالحدث؟ عند جمهور العلماء خلافًا لمالك: إذا لم يكن قد دخل في الصلاة، وقد صحَّ عن النَبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنَّه شُكي إليه الرجلُ يُخَيَّل إليه أنَّه يجد الشيءَ في الصلاة"، فقال: "لا ينصرف حتّى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، متّفق عليه.

وفي بعض الروايات: "في المسجد" بدل: "الصلاة".

وهذا يعمُّ حالَ الصلاةِ وغيرها، فإنْ وُجِدَ سبب قويٌّ يغلب معه على الظنِّ نجاسة ما أصلُه الطهارة مثل أنْ يكونَ الثوبُ يلبسه كافر لا يتحرَّزُ من النجاسات، فهذا محلّ اشتباه، فمن العلماء من رخّص فيه أخذًا بالأصل، ومنهم من كرهه تنزيهًا، ومنهم من حرّمه إذا قوي ظن النجاسة مثل أنْ يكون الكافر ممن لا تباح ذبيحتُه أو يكون ملاقيًا لعورته كالسراويل والقميص، وترجع هذه المسائل وشبهها إلى قاعدةِ تعارض الأصل والظاهر، فإنَّ الأصل الطهارة والظاهر النجاسة، وقد تعارضت الأدلَّةُ في ذلك.

فالقائلون بالطهارة يستدلون بأن الله أحلَّ طعام أهل الكتاب، وطعامهم إنَّما يصنعونه بأيديهم في أوانيهم، وقد أجاب النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- دعوة يهودي، وكان هو وأصحابه يلبسون ويستعملون ما يُجلَب إليهم مما نَسَجَه الكفارُ بأيديهم من الثياب والأواني، وكانوا في المغازي يقتسمون ما وقع لهم من الأوعية والثياب، ويستعملونها، وصحَّ عنهم أنَّهم استعملوا الماء مِنْ مزادة مشركة، رواه البخاريّ.

وقد فسَّر الإمام أحمد الشبهة بأنَّها منْزلةٌ بينَ الحلال والحرام، يعني: الحلالَ المحض والحرام المحض، وقال: من اتَّقاها، فقد استبرأ لدينه، وفسَّرها تارةً باختلاط الحلال والحرام.

ويتفرَّعُ على هذا معاملة من في ماله حلال وحرام مختلط، فإنْ كان أكثرُ ماله الحرامَ، فقال أحمد: ينبغي أنْ يجتنبه إلا أنْ يكونَ شيئًا يسيرًا، أو شيئًا لا يُعرف، واختلف أصحابه: هل هو مكروه أو محرَّم؟ على وجهين.

وإنْ كان أكثرُ ماله الحلال، جازت معاملته والأكلُ من ماله، وقد روى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015