الناس من يعلمها، وإنَّما هي مشتبهة على من لم يعلمها، وليست مشتبهة في نفس الأمر، فهذا هو السبب المقتضي لاشتباه بعض الأشياء على كثير من العلماء.

وقد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر، وهو أنَّ مِن الأشياء ما يعلم سببُ حِلِّه وهو الملك المتيقن، ومنها ما يُعلم سببُ تحريمه وهو ثبوتُ ملك الغير عليه، فالأوَّل لا تزولُ إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه، اللهمَّ إلا في الأبضاع عندَ من يُوقعُ الطلاقَ بالشك فيه كمالكٍ، أو إذا غلب على الظن وقوعُه كإسحاق ابن راهويه، والثاني: لا يزول تحريمُه إلا بيقينِ العلم بانتقال الملك فيه.

وأمَّا ما لا يُعلم له أصلُ مُلكٍ كما يجده الإنسان في بيته ولا يدري: هل هو له أو لغيره؟ فهذا مشتبه، ولا يحرم عليه تناوُله؛ لأنَّ الظاهر أنَّ ما في بيته ملكُه لثبوت يده عليه، والورعُ اجتنابه، فقد قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنِّي لأنقلب إلى أهلي فأجدُ التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أنْ تكون صدقةً، فألقيها"، متّفقٌ عليه.

فإنْ كان هناك من جنس المحظور، وشكَّ هل هو منه أم لا؟ قويت الشبهةُ، وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أصابه أرقٌ من الليل، فقال له بعضُ نسائه: يا رسول الله أرقت الليلة، فقال: "إني كنتُ أصبتُ تمرة تحت جنبي، فأكلتُها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيتُ أنْ تكون منه" (?).

ومن هذا أيضًا ما أصلهُ الإباحة كطهارة الماء، والثوب، والأرض إذا لم يتيقن زوال أصله، فيجوز استعمالُه، وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان، فلا يحلُّ إلا بيقين حلّه من التذكية والعقد، فإنْ تردَّد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه، فيبني فيما أصله الحرمة على التحريم، ولهذا نهى النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الصيدِ الذي يجدُ فيه الصائد أثر سهمٍ غير سهمه، أو كلبٍ غير كلبهِ، أو يجده قد وقع في ماء. متّفقٌ عليه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015