الحارث عن عليِّ أنَّه قال في جوائز السلطان: لا بأس بها، ما يُعطيكم من الحلال أكثر مما يُعطيكم من الحرام، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يُعاملون المشركين وأهلَ الكتاب مع علمهم بأنَّهم لا يجتنبون الحرامَ كلَّه.

وإنْ اشتبه الأمر فهو شبهة، والورع تركُه. قال سفيان: لا يعجبني ذلك، وتركه أعجب إليَّ.

وقال الزُّهريُّ ومكحول: لا بأس أنْ يؤكل منه ما لم يعرف أنَّه حرامٌ بعينه، فإنْ لم يُعلم في ماله حرام بعينه، ولكنه علم أنَّ فيه شبهةٌ، فلا بأس بالأكل منه، نصَّ عليه أحمد في رواية حنبل.

وذهب إسحاق ابنُ راهويه إلى ما رُوي عن ابن مسعود وسلمانَ وغيرِهما منَ الرُّخصة، وإلى ما رُوي عَنِ الحسنِ وابنِ سيرين في إباحةِ الأخذ مما يقضي من الرِّبا والقمار، نقله عنه ابنُ منصور.

وقال الإمام أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه: إنْ كان المالُ كثيرًا، أخرج منه قدرَ الحرام، وتصرَّف في الباقي، وإنْ كان المالُ قليلًا، اجتنبه كلَّه، وهذا لأنَّ القليل إذا تناول منه شيئًا، فإنَّه تَبْعُدُ معه السلامةُ من الحرام بخلاف الكثير، ومن أصحابه مَنْ حَمَل ذلك على الورع دُون التَّحريم، وأباح التصرُّف في القليل والكثير بعد إخراج قدر الحرام منه، وهو قولُ الحنفيَّة وغيرهم، وأخذ به قومٌ مِنْ أهل الورع منهم بشرٌ الحافي.

ورخَّص قومٌ من السَّلف في الأكل ممن يُعلم في ماله حرام ما لم يُعلم أنّه من الحرام بعينه، كما تقدَّم عن مكحولٍ والزُّهريِّ، وروي مثلُه عن الفُضيل بن عياض.

وروي في ذلك آثارٌ عن السَّلف، فصحَّ عن ابن مسعود أنَّه سُئِلَ عمَّن له جارٌ يأكلُ الرِّبا علانية ولا يتحرَّجُ من مالٍ خبيثٍ يأخُذُه يدعوه إلى طعامه، قال: أجيبوهُ، فإنَّما المَهْنأ لكم والوِزْرُ عليه (?)، وفي رواية أنَّه قال: لا أعلمُ له شيئًا إلّا خبيثًا أو حرامًا، فقال: أجيبوه، وقد صحح الإمام أحمد هذا عن ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015