(المسألة الخامسة): في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحلالُ بيِّنٌ، والحرامُ بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس":

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: معناه: أنَّ الحلال المحض بَيِّنٌ لا اشتباه فيه، وكذلك الحرامُ المحضُ، ولكن بين الأمرين أمورٌ تشتبه على كثيرٍ من الناس، هل هي من الحلال أم من الحرام؟ وأما الرَّاسخون في العلم، فلا يشتبه عليهم ذلك، ويعلمون من أيِّ القسمين هي.

فأما الحلالُ المحضُ: فمثل أكلِ الطيبات من الزروع، والثمار، وبهيمة الأنعام، وشرب الأشربة الطيبة، ولباسِ ما يحتاج إليه من القطن والكتَّان، أو الصوف أو الشعر، وكالنكاح، والتسرِّي وغير ذلك إذا كان اكتسابُه بعقدٍ صحيح كالبيع، أو بميراث، أو هبة، أو غنيمة.

والحرام المحض: مثلُ أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وشرب الخمر، ونكاح المحارم، ولباس الحرير للرجال، ومثل الأكساب المحرَّمة كالرِّبا، والميسر، وثمن ما لا يحل بيعه، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب، أو تدليس، أو نحو ذلك.

وأما المشتبه: فمثلُ أكل بعضِ ما اختلفَ في حلِّه أو تحريمهِ، إمَّا من الأعيان كالخيلِ والبغالِ والحميرِ، والضبِّ، وشربِ ما اختلف من الأنبذة التي يُسكِرُ كثيرُها، ولبسِ ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السباع ونحوها، وإما من المكاسب المختلف فيها كمسائل العِينة، والتورّق (?)، ونحو ذلك، وبنحو هذا المعنى فسَّرَ المشتبهات أحمدُ وإسحاق وغيرهما من الأئمة.

وحاصلُ الأمر أنَّ الله تعالى أنزل على نبيّه -صلى الله عليه وسلم- الكتاب، وبيّن فيه للأمة ما يحتاجُ إليه من حلال وحرام، كما قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] قال مجاهد وغيرُه: لكلِّ شيءٍ أُمِرُوا به، أو نُهوا عنه، وقال تعالى في آخر سورة النساء التي بَيَّنَ الله فيها كثيرًا من أحكام الأموال،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015