تعلق جميع الأعمال بالقلب، فمن هنا يمكن أن تردّ جميع الأحكام إليه، والله المستعان. انتهى (?).
وقال المازريّ رحمه الله: وإنما نبّه أهل العلم على عِظم هذا الحديث؛ لأن الإنسان إنما يعبد بطهارة قلبه وجسمه، فيكثر المذامّ المحظورات إنما تنبعث من القلب، وأشار -صلى الله عليه وسلم- لإصلاحه، ونبّه على أن إصلاحه هو إصلاح الجسم، وأنه الأصل، وهذا صحيح، يؤمن به حتّى من لا يؤمن بالشرع، وقد نصّ عليه الفلاسفة، والأطبّاء، والأحكام، والعبادات آلة يتصرّف الإنسان عليها بقلبه وجسمه فيها، يقع في مشكلات، وأمور ملتبسات، تكسب التساهل فيها، وتعويد النفس الجراءة عليها، وتكسب فساد الدين والعرض، فنبّه -صلى الله عليه وسلم- على توقّي هذه، وضرب لها مثلًا محسوسًا؛ لتكون النفس له أشدّ تصوّرًا، والعقل أعظم قبولًا، فأخبر أن الملوك لهم أحمية، وكانت العرب تعرضي الجاهليّة أن العزيز فيهم يحمي مُرُوجًا، وأفنيةً، ولا يتجاسر عليها، ولا يدنو منها أحدٌ مهابةً من سطوته، وخوفًا من الوقوع في حوزته، وهكذا محارم الله سبحانه وتعالي مَنْ تَرَك منها ما قرب، فهو من توسطها أبعد، ومن تحامى طرف النهي أُمن عليه أن يتوسّط، ومن قرب توسّط. انتهى.
وقال القرطبيّ رحمه الله بعد ذكر نحو ما تقدّم في كلام القاضي وغيره، ما نصّه: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة رحمهم الله أجمعين حسن، غير أنهم لو أمعنوا النظر في هذا الحديث كلّه من أوّله إلى آخره لوجدوه متضمّنًا لعلوم الشريعة كلّها، ظاهرها وباطنها، وإن أردت الوقوف على ذلك، فأعد النظر فيما عقدناه من الجمل في الحلال والحرام، والمتشابهات، وما يُصلح القلوب، وما يُفسدها، وتعلّق أعمال الجوارح بها، وحينئذ يستلزم ذلك الحديث معرفة تفاصيل أحكام الشريعة كلّها، أصولها، وفروعها، والله هو المسؤول أن يستعملنا بما علّمنا، ويوفّقنا لما يرضى به عنّا، إنه وليّ ذلك، والقادر عليه. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.