قال الطيبيّ رحمه الله: ولعلّ السرّ فيه أن حِمَى الأملاك حدوده محسوسة، يُدركها كل ذي بصر، فيحترز أن يقع فيه، اللهمّ إلا أن يغفل، أو تغلبه الدابّة الْجَمُوح، وأما حِمى ملك الأملاك، وهو محارمه، فمعقول صِرْفٌ، لا يدركه إلا الألبّاء من ذوي البصائر، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يعلمهنّ كثير من الناس" يحسب أحدهم أنه يرتع حول الحمى -يعني الشبهات- إذا هو في وسط محارمه، ومن ثَمّ ورد النهي في التنزيل عن القربان منها في قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187]؛ لأن قربانها هو الوقوع فيها. انتهى (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "وقع في الحرام" وذلك يكون بوجهين: [أحدهما]: أن من لم يتق الله تعالى، وتجرَّأ على الشبهات، أَفْضَتْ به إلى المحرمات بطريق اعتياد الجرأة، والتساهل في أمرها، فيحمله ذلك على الجرأة على الحرام المحض؛ ولهذا قال بعض المتقين: الصغيرة تجر إلى الكبيرة، والكبيرة تجر إلى الكفر، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "المعاصي بريد الكفر" (?)، وهو معنى قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} [المطففين: 14].

[وثانيهما]: أن من أكثر من مواقعة الشبهات أظلم عليه قلبه، لفقدان نور العلم، ونور الورع، فيقع في الحرام، ولا يشعر به، وإلى هذا النور الإشارة بقوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} الآية [الزمر: 22]، وإلى ذلك الإظلام الإشارة بقوله: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22]. انتهى (?).

(كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى) قال الطيبيّ رحمه الله: "الحمى" هو المرعى الذي حماه الإمام، ومنع من أن يُرعَى فيه، وشبّه المحارم من حيث إنها ممنوعة الوقوع فيها، والتخطّي لحدودها، واجبة التجنّب عن جوانبها وأطرافها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015