ولو ثبت الخيار، لكان كافيًا في رفع العقد. وبقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} الآية [البقرة: 282]، والإشهاد إن وقع بعد التفرق، لم يطابق الأمر، وإن وقع قبل التفرق، لم يصادف محلًّا.
ولا حجة في شيء من ذلك؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والجمع بين الدليلين مهما أمكن، لا يصار معه إلى الترجيح، والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة، بغير تعسف، ولا تكلف.
[ثانيها]: قال بعضهم: هو من رواية مالك، وقد عمل بخلافه، فَدَلّ على أنه عارضه ما هو أقوى منه، والراوي إذا عمل بخلاف ما رَوَى، دلّ على وَهْن المرويّ عنده.
وتُعُقِّب بأن مالكًا لم يتفرد به، فقد رواه غيره، وعَمِل به، وهم أكثر عددًا، روايةً، وعملًا، وقد خص كثير من محققي أهل الأصول الخلاف المشهور، فيما إذا عمل الراوي بخلاف ما روى بالصحابة، دون من جاء بعدهم، ومن قاعدتهم: أن الراوي أعلمُ بما روى، وابن عمر هو راوي الخبر، وكان يفارق إذا باع ببَدنه، فاتباعه أولى من غيره.
[ثالثها]: قالت طائفة: هو معارض بعمل أهل المدينة، ونقل ابن التين عن أشهب، بأنه مخالف لعمل أهل مكة أيضًا.
وتُعُقّب بأنه قال به ابن عمر، ثم سعيد بن المسيِّب، ثم الزهريّ، ثم ابن أبي ذئب، كما مضى، وهؤلاء من أكابر علماء أهل المدينة، في أعصارهم، ولا يُحفَظ عن أحد من علماء المدينة القول بخلافه، سوى عن ربيعة، وأما أهل مكة، فلا يُعرف عن أحد منهم القول بخلافه، فقد سبق عن عطاء، وطاوس، وغيرهما من أهل مكة.
وقد اشتد إنكار ابن عبد البر، وابن العربيّ على من زعم من المالكية؛ أن مالكًا ترك العمل به؛ لكون عمل أهل المدينة على خلافه.
وأيضًا فإن إجماعهم على تقدير صحته ليس حجة، قال الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد - رضي الله عنهما - في "شرح العمدة": الحقّ الذي لا شكّ فيه أن إجماعهم لا يكون حجة فيما طريقه الاجتهاد والنظر؛ لأن الدليل العاصم للأمة من الخطإ في الاجتهاد لا يتناول بعضهم، ولا مستند للعصمة سواه، وكيف يمكن أن