وأما ما مُلك بإرث، أو وصية، أو غنيمة، وتعيّن ملكه فيه، فإنه يجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره قبل قبضه؛ لأنه غير مضمون بعقد معاوضة، فهو كالمبيع المقبوض، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ولا أعلم عن غيرهم خلافهم، وإن كان لإنسان في يد غيره وديعة، أو عارية، أو مضاربة، أو جعله وكيلًا فيه جاز له بيعه ممن هو في يده ومن غيره؛ لأنه عين مال مقدور على تسليمها، لا يخشى انفساخ الملك فيها، فجاز بيعها كالتي في يده، وإن كان غصبًا جاز بيعه ممن هو في يده؛ لأنه مقبوض معه فاشبه بيع العارية ممن هي في يده، وأما بيعه لغيره فإن كان عاجزًا عن استنقاذه، أو ظن أنه عاجز لم يصح شراؤه له؛ لأنه معجوز عن تسليمه إليه، فأشبه بيع الآبق والشارد، وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو في يده صح البيع؛ لإمكان قبضه، فإن عجز عن استنقاذه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء؛ لأن العقد صح؛ لكونه مظنون القدرة على قبضه، ويثبت له الفسخ للعجز عن القبض، فأشبه ما لو باعه فرسًا، فشردت قبل تسليمها، أو غائبًا بالصفة، فعجز عن تسليمه. انتهى (?)، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في أقوال أهل العلم في تفسير القبض:
قال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: وقَبْض كل شيء بحسبه، فإن كان مكيلًا أو موزونًا، بِيع كيلًا أو وزنًا، فقبضه بكيله ووزنه، وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: التخليةُ في ذلك قبض، وقد رَوى أبو الخطاب، عن أحمد رواية أخرى: أن القبض في كل شيء بالتخلية مع التمييز؛ لأنه خَلَّى بينه وبين المبيع من غير حائل، فكان قبضًا له كالعقار.
ولنا ما رَوَى أبو هريرة - رضي الله عنه -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا بعت فكِلْ، وإذا ابتعت فاكتل"، رواه البخاريّ، وعن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري"، رواه ابن ماجه (?)،