أبي عبد الرحمن؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حديثًا مستفيضًا في المدينة: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه، وششوفيه، إلا أن يُشَرِّك فيه، أو يوليه، أو يقيله"، وقال مالك: إن أهل العلم اجتمع رأيهم على أنه لا بأس بالشركة، والإقالة، والتولية في الطعام وغيره - يعني قبل القبض - قال ابن حزم؛ ما نعلم رُوي هذا إلا عن ربيعة، وطاوس فقط، وقوله عن الحسن في التولية، قد جاء عنه خلافها، قال ابن حزم: وخبر ربيعة مرسل، ولو استفاضَ عن أصل صحيح، لكان الزهريّ أولى بأن يعرف ذلك من ربيعة، والزهريّ مخالف له في ذلك، قال: التولية بيع في الطعام وغيره، ثم ذكر عن الحسن أنه قال: ليس له أن يولّيه حتى يقبضه، فقيل له: أبرأيك تقوله؟ قال: لا، ولكن أخذناه عن سلفنا، وأصحابنا، قال ابن حزم: سلف الحسن هم الصحابة، أدرك منهم خمسمائة وأكثر، وأصحابه أكابر التابعين، فلو أقدم امرؤ على دعوى الإجماع هنا لكان أصحّ من الإجماع الذي ذكره مالك.
(القول الرابع): المنع من سائر التصرّفات؛ كالبيع، إلا العتق، والاستيلاد، والتزويج، والقسمة، هذا حاصل الفتوى في مذهب الشافعيّ، مع الخلاف في أكثر الصور، وأما الوقف، فقال المتولّي في "التتمّة": إن قلنا: إن الوقف يفتقر إلى القبول، فهو كالبيع، وإلا فهو كالإعتاق، وبه قطع الماورديّ في "الحاوي"، وقال: يصير قابضًا، حتى لو لم يرفع البائع يده عنه، صار مضمونًا عليه بالقيمة، فمن قصر المنع على البيع، اقتصر على مورد النصّ، ومن عدّاه إلى غيره، فبالقياس، وذلك متوقّفٌ على فهم العلّة في ذلك، ووجودها في الفرع المقيس، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح القول الأول، وهو قصر النهي على البيع فقط؛ عملًا بظواهر النصوص، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في بيع ما مُلك بغير البيع قبل القبض:
قال الحافظ وليّ الدين - رَحِمَهُ اللهُ -: والذي في الحديث المنع فيما مُلك بالبيع، وهو ساكت عما مُلك بغيره، وللعلماء في ذلك خلاف أيضًا: