أيضًا أن تُحسب المدّة قبل التمكن من الفسخ، وذلك يفوّت مقصود التوسيع بالمدّة، ويؤدّي إلى نقصانها فيما إذا لَمْ يعلم به إلَّا بعد مضيّ بعضها، وهذا مما يقوّي مذهب الحنابلة في ذلك، وهو عندي أظهر، وأوفق للحديث، وللمعني، والله أعلم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الحافظ وليّ الدين - رَحِمَهُ اللهُ -، من ترجيح مذهب الحنابلة؛ لموافقته ظاهر النصّ، إنصاف منه - رَحِمَهُ اللهُ -، ويا ليت جميع أتباع المذاهب سلكوا هذا المسلك؛ فإنه عَيْنُ اتّباع الحقّ، والحقّ أحقّ أن يتّبع، لكننا نرى العجب العجاب، حينما يبذل متأخروهم - إلَّا من عصمه الله - قصارى جهدهم في الدفاع عن مذهبهم، إذا خالف النصوص بالتأويلات الزائفة، والتكلّفات الباردة، - كما أسلفنا آنفًا عن الحنفيّة في ردّهم حديث المصرّاة - فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
فيا أيها المسلم الحريص على دينه، اتبع الحقّ، فكن غيورًا على النصوص، وابْذُل جهدك في الدفاع عنها، وإن أدّى ذلك إلى مخالفة رأي إمامك، فإنك مسؤول عن الكتاب والسنّة، لا عن آراء الرجال، وآراؤهم إنما تُطلَب للاستعانة بها على فهمهما فقط، فأيّ استعانة إذا خالفتهما؟
وبالجملة فليس هناك أحد أوجب الله اتباعه، وأناط الهدى والفلاح به، إلَّا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]، وقال - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]، كما قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157] اللَّهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، آمين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): أن ظاهره أنه لا خيار فيما إذا لَمْ يقصد البائع التصرية، بل ترك الحلب، ناسيًا، أو لشغل عرض له، أو تصرّت هي بنفسها؛ لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التصرية لأجل البيع، ثم ذكر أن من اشترى ما هو بهذه الصفة تخيّر، وهذه الصورة المذكورة لَمْ يقع فيها تصرية لأجل البيع، وبهذا جزم