وشذ داود، فقال: لا يثبت الخيار بتصرية البقرة؛ لأنَّ الحديث: "لا تصروا الإبل والغنم"، فدل على أنَّ ما عداهما بخلافهما، ولأن الحكم ثبت فيهما بالنص، والقياس لا تثبت به الإحكام، واحتجّ الجمهور بعموم قوله: "من اشترى مصراة، فهو بالخيار ثلاثة أيام"، وفي حديث ابن عمر: "من ابتاع مُحَفَّلة"، ولم يفصل، ولأنه تصرية بلبن من بهيمة الأنعام، فأشبه الإبل والغنم، والخبر فيه تنبيه على تصرية البقر؛ لأنَّ لبنها أغزر، وأكثر نفعًا، وقولهم: إن الأحكام لا تثبت بالقياس ممنوع، ثم هو ههنا ثبتٌ بالتنبيه، وهو حجة عند الجميع، قاله في "المغني" (?)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم مصرّاة غير بهيمة الأنعام:

قال ابن قدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: فإن اشترى مصرَّاة من غير بهيمة الأنعام، كالأمة، والأتان، والفرس، ففيه وجهان:

[أحدهما]: يثبت له الخيار، اختاره ابن عقيل، وهو ظاهر مذهب الشافعيّ؛ لعموم قوله: "من اشترى مصراة"، و"من اشترى محفَّلة"، ولأنه تصرية بما يختلف الثمن به، فأثبت الخيار، كتصرية بهيمة الأنعام، وذلك أن لبن الآدمية يراد للرضاع، ويرغب فيها ظئرًا، ويُحَسِّن ثديها، ولذلك لو اشترط كثرة لبنها، فبان بخلافه، مَلَك الفسخ، ولو لَمْ يكن مقصودًا لَمَا ثبتٌ باشتراطه، ولا ملك الفسخ بعدمه، ولأن الأتان والفرس يرادان لولدهما.

[والثاني]: لا يثبت به الخيار؛ لأنَّ لبنها لا يعتاض عنه في العادة، ولا يُقصد قصد لبن بهيمة الأنعام، والخبر ورد في بهيمة الأنعام، ولا يصح القياس عليه؛ لأنَّ قصد لبن بهيمة الأنعام أكثر، واللفظ العام أريد به الخاص، بدليل أنه أمر في ردّها بصاع من تمر، ولا يجب في لبن غيرها، ولأنه ورد عامًا وخاصًا في قضية واحدة، فيحمل العام على الخاص، ويكون المراد بالعام في أحد الحديثين الخاصَّ في الحديث الآخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015