(المسألة الخامسة): قال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: إن علم بالتصرية قبل حلبها، مثل أن أقر به البائع، أو شهد به من تُقبل شهادته، فله ردّها، ولا شيء معها؛ لأنَّ التمر إنما وجب بدلًا للبن المحتلب، ولذلك قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من اشترى غنمًا مصراة، فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر"، ولم يأخذ لها لبنًا ها هنا، فلم يلزمه ردّ شيء معها، وهذا قول مالك، قال ابن عبد البر: هذا ما لا خلاف فيه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فيه أن الخلاف موجود، فقد قال في "الفتح": فيه وجه للشافعية، ويرجح أنه لا يثبت، رواية عكرمة، عن أبي هريرة، في هذا الحديث عند الطحاويّ، فإن لفظه: "من اشترى مُصَرّاة، ولم يعلم أنَّها مصراة" الحديث. انتهى.
قال الجامع: لكن الحديث ضعيف؛ لأنَّ في إسناده ابن لَهِيعة، فظهر بهذا أن الصحيح أنه يثبت له الخيار، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال ابن قدامة: وأما لو احتلبها، وترك اللبن بحاله، ثم ردّها ردّ لبنها، ولا يلزمه أيضًا بشيء؛ لأنَّ المبيع إذا كان موجودًا، فردّه لَمْ يلزمه بدله، فإن أبي البائع قبوله، وطلب التمر، لَمْ يكن له ذلك، إذا كان بحاله لَمْ يتغير، وقيل: لا يلزمه قبوله؛ لظاهر الخبر، ولأنه قد نقص بالحلب، وكونه في الضرع أحفظ له، ولنا إنه قَدِر على ردّ المبدَل، فلم يلزمه البدل؛ كسائر المبدلات مع
أَبدالها، والحديث المراد به التمر، حالة عدم اللبن؛ لقوله: "ففي حلبتها صاع من تمر"، ولمَا ذكرنا من المعنى، وقولهم: إن الضرع أحفظ له لا يصح؛ لأنه لا يمكن إبقاؤه في الضرع على الدوام، وبقاؤه يضر بالحيوان.
وإن كان اللبن قد تغيَّر ففيه وجهان: أحدهما لا يلزمه قبوله، وهذا قول مالك؛ للخبر، ولأنه قد نقص بالحموضة، فأشبه ما لو أتلفه، والثاني يلزمه قبوله؛ لأنَّ النقص حصل بإسلام المبيع، وبتغرير البائع، وتسليطه على حلبه، فلم يمنع الرد كلبن غير المصراة. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في ثبوت التصرية في البقرة:
ذهب الجمهور إلى أنه لا فرق في التصرية، بين الشاة، والناقة، والبقرة،