إمكان الجمع، والذي يتحصّل من كلام محقّقيهم، وقد أكثر منه الشافعيّ، ومن تبعه أن محلّ الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين، ومنهم من شرط التساوي في القوّة.
قال ابن بطّال: أجمع العلماء أن الأمة إذا عَتَقَت تحت عبد فإن لها الخيار، والمعنى فيه ظاهرٌ؛ لأن العبد غير مكافئ للحرّة في أكثر الأحكام، فماذا عَتَقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته، أو المفارقة؛ لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار، واحتجّ من قال: إن لها الخيار، ولو كانت تحت حرّ بأنها عند التزويج لم يكن لها رأيٌ؛ لاتفاقهم على أن لمولاها أن يزوّجها بغير رضاها، فماذا عتقت تجدّد لها حالٌ لم يكن لها قبل ذلك.
وعارضهم الآخرون بأن ذلك لو كان مؤثّرًا لثبت الخيار للبكر إذا زوّجها أبوها، ثم بلغت رشيدة، وليس كذلك، فكذلك الأمة تحت الحرّ، فإنه لم يحدُث لها بالعتق حالٌ ترتفع به عن الحرّ، فكانت كالكتابيّة تُسلم تحت المسلم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر من الأدلّة أن الأرجح القول الأول، وهو أن خيار الأمة إذا أُعتقت إنما هو إذا كانت تحت عبد، لا تحت حرّ؛ قال الإمام البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه": "باب خيار الأمة تحت العبد"، ثم أورد حديث عائشة - رحمه الله - في قصّة بريرة - رضي الله عنهما -، قال في "الفتح": قوله: "باب خيار الأمة تحت العبد": يعني إذا عَتقت، وهذا مصير من البخاريّ إلى ترجيح قول من قال: إن زوج بريرة كان عبدًا، وقد ترجم في أوائل "النكاح" بحديث عائشة في قصّة بريرة: "باب الحرة تحت العبد"، وهو جزم منه أيضًا بأنه كان عبدًا. انتهى (?).
والحاصل أن الصحيح أن الخيار إنما يثبت للأمة المعتقة إذا كان زوجها عبدًا، لا حرًّا؛ لأن الراجح أن زوج بريرة كان عبدًا، لا حرًّا، ورواية الأسود أنه كان حرًّا شاذّة، لا تعارض رواية الجماعة، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.