وتُعُقّب بأنه - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أرسل إلى بريرة بالصدقة، فلم يتمّ هذا (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في خيار الأمة إذا أُعتقت:
قال العلّامة ابن قُدامة - رحمه الله -: أجمع أهل العلم على أن الأمة إذا أُعتقت، وزوجها عبدٌ، فلها الخيار في فسخ النكاح، ذكره ابن المنذر، وابن عبد البرّ، وغيرهما، والأصل فيه خبر بَريرة - رضي الله عنها -، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كاتبت بريرة، فخيّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زوجها، وكان عبدًا، فاختارت نفسها"، قال عروة: ولو كان حرًّا ما خيّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رواه مالكٌ في "الموطّأ"، وأبو داود، والنسائيّ، ولأن عليها ضَررًا في كونها تحت عبدٍ، فكان لها الخيار، كما لو تزوّج حرّةً على أنه حرّ، فبان عبدًا، فإن اختارت الفسخ، فلها فراقه، وإن رضيت الْمُقامَ معه لم يكن لها فراقه بعد ذلك؛ لأنها أسقطت حقّها، وهذا مما لا خلاف فيه بحمد الله تعالى.
قال: وإن أُعتقت تحت حرّ، فلا خيار لها، وهذا قول ابن عمر، وابن عبّاس، وسعيد بن المسيّب، والحسن، وعطاء، وسليمان بن يسار، وأبي قلابة، وابن أبي ليلى، ومالك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وإسحاق.
وقال طاوس، وابن سيرين، ومجاهد، والنخعيّ، وحمّاد بن أبي سليمان، والثوريُّ، وأصحاب الرأي: لها الخيار؛ لِمَا روى الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خيّر بريرة، وكان زوجها حرًّا، رواه النسائيّ، ولأنها كملت بالحرّية، فكان لها الخيار، كما لو كان زوجها عبدًا.
قال: ولنا أنها كافأت زوجها في الكمال، فلم يثبت لها الخيار، كما لو أسلمت الكتابيّة تحت مسلم، فأما خبر الأسود، عن عائشة، فقد روى عنها القاسم بن محمد، وعروة أن زوج بريرة كان عبدًا، وهما أخصّ بها من الأسود؛ لأنهما ابن أخيها، وابن أختها، وقد روى الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدًا، فتعارضت روايتاه، وقال ابن