من حديث ابن عمر وجابر - رضي الله عنهم -: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أعتق عبدًا وله فيه شركاء، وله وفاء فهو حُرٌّ، ويضمن نصيب شركائه بقيمته لِمَا أساء من مشاركتهم".
قال القرطبيّ: وهذا التمسك ليس بصحيح؛ لما يقتضيه النظر الأصوليّ، وذلك: أن هذه الأحاديث وإن تعدد رواتها، وكثرت ألفاظها؛ فمقصودها كلها واحد، وهو: بيان حكم من أعتق شركًا في عبدٍ، فهي قضية واحدة، غير أن من ألفاظ الرواة ما هو مقيَّد، ومنها ما هو مطلق، فيُحْمَل مطلقها على مقيدها، وقد اتفق الأصوليون على ذلك، فيما إذا اتحدت القضية، وهذا من ذلك النوع المتفق عليه، ثم إن هذا من باب الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا المعنى، والجمع أولى من الترجيح إذا أمكن باتفاق أهل الأصول، ثم ظاهر ذلك اللفظ الأول: أنه لو وجد التقويم دون الإعطاء لَمْ يكمل الإعتاق إلَّا بمجموعهما. وهو ظاهر حكاية الأصحاب عن المذهب، غير أن سحنونًا قال: أجمع أصحابنا: على أن من أعتق شقصًا له في عبد أنّه بتقويم الإمام عليه حُرٌّ بغير إحداث حكم، فظاهر هذا: أن نفس التقويم على الموسر موجب للحرية، وإن لَمْ يكن إعطاء، وفيه بُعْدٌ؛ لأن التقويم لو كان محصِّلًا للعتق للزم الشريك أن يتبع ذمة المعتق إذا أعسر بالقيمة بعد التقويم، وذلك لا يتمشى؛ لا على القول بالسِّراية، ولا على مراعاة التقويم فلا على قوله: "وعتق عليه".
وقوله: "وإلا فقد عتق منه ما عتق" ذكره مالك عن نافع على أنّه من قول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وجزم بذلك، وهو الظاهر من مساق الحديث، فروايته أولى من رواية أيوب عن نافع، حيث اضطرب في ذلك. فقال مرّة: قال نافع: "وإلا فقد عَتَق منه ما عَتَق"، ومرّةً قال: فلا أدري، أشيء قاله نافع، أم هو من الحديث؟ لأن مالكًا جازم غير شاك! وقد تابعه على ذلك جماعة من الحفاظ عن نافع كجرير بن حازم، وعبيد الله، وغيرهما.
وتضمَّن هذا الحديث: أنَّه لا بدَّ من عتق نصيب المعتق وتنفيذه موسرًا كان أو معسرًا. وهو مذهب كافة العلماء، وشذَّ آخرون، فأبطلوا عتق ذلك الشقص إن كان معسرًا. وهو مصادمة للنص المذكور، وكأنَّه راعى حقّ الشريك بما يدخل عليه من الضرر بحرية الشقص، وهو قياس فاسد الوضع؛ لأنه