وأما الكفار: فلا يصح العتق الشرعيّ منهم، إمَّا لأنَّهم غير مخاطبين بالفروع، وإما لأن صحة القُرَب الشرعية موقوفة على الإسلام، فلو كان العبد مسلمًا وسيّداه نصرانيين، فأعتق أحدهما كمّل عليه؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي، وكذلك لو كان العبد وأحدُ سيديه نصرانيين، فأعتق النصراني كمّل عليه لحق المسلم على قول أشهب، ومطرِّف، وابن الماجشون، وفي "المختصر الكبير": لا يقوَّم عليه، وقال ابن القاسم: إن كان العبد مسلمًا قوِّم عليه، وإلا فلا، بناءً على أن القُرْبَة لا تصحُّ منهم، ولا يجبرون عليها.
و"الشِّرْك": النصيب، ومنه قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} [سبأ: 22]. ويكون بمعنى: الشريك، لقوله تعالى: {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف: 190]، ويكون بمعنى: الاشتراك، كما جاء في حديث معاذ: أنه أجاز من أهل اليمن الشرك، يعني: الاشتراك في الأرض.
و"الشَّقْصُ"، والشُّقَيْصُ: النصيب والجزء، والتشقيص: التجزئة.
و"العبد": اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه، ومؤنثه: أمة - من غير لفظه -، وقد حُكِي: عبدةٌ، ولهذا قال إسحاق ابن راهويه: إنَّ هذا الحديث إنّما يتناول ذكور العبيد دون إناثهم، فلا يكمَّل على من أعتق شِرْكًا في أنثى، وهو على خلاف الجمهور من السَّلف، ومَن بعدهم: فإنهم لَمْ يفرِّقوا بين الذكر والأنثى؛ إمَّا لأن لفظ العبد يُراد به الجنس، كما قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} [مريم: 93]، فإنه يتناول الذكر والأنثى من العبيد قطعًا، وإمَّا على طريق الإلحاق بنفي الفارق الذي هو القياس في معنى الأصل، كما بينَّاه، ومراتبه عندنا في كتابنا في أصول الفقه.
و"المال" هنا: هو ما يُتَموَّلُ؛ أي: يتملك، فيباع عليه كلّ ما يُباع على المفلس.
و"الثمن": أراد به هنا القيمة، والتقويم: اعتبار مقدار ثمن العبد المعتق بعضُه، ولا يكون ذلك إلَّا من عارفٍ بِقِيَم السِّلع موثوقٍ بدينه، وأمانته؛ لأنَّ التقويم فَصْل بين الخصوم، وتمييز لمقادير الحقوق.
وظاهر هذا الحديث: أنَّه يقوَّم عليه كاملًا، لا عتق فيه، وهو المعروف من المذهب، وقيل: يقوَّم على أن بعضه حُرٌّ، والأول أصحُّ؛ لأن جناية المعتق