النوويّ رحمه الله: فيه أن الإمام يعظ المتلاعنين، ويُخوّفهما من وبال اليمين الكاذبة، وأن الصبر على عذاب الدنيا، وهو الحدّ أهون من عذاب الآخرة. انتهى (?).
(قَالَتْ: لَا) أي: لا أتراجع عما قلته (وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ) - صلى الله عليه وسلم - في اللعان (بِالرَّجُلِ) فيه أن الابتداء في اللعان يكون بالزوج؛ لأن الله تعالى بدأ به؛ ولأنه يُسقط عن نفسه حدّ قذفها، وينفي النسب إن كان، ونقل القاضي وغيره إجماع المسلمين على الابتداء بالزوج، ثم قال الشافعيّ، وطائفة: لو لاعنت المرأة قبله لم يصحّ لعانها، وصححه أبو حنيفة، وطائفة. قاله النوويّ (?). (فَشَهِدَ) بكسر الهاء، من باب عَلِم يعلم (أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) بنصب "أربع" على المفعوليّة (بِاللهِ) متعلّق بـ "شهادات".
قال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فشهِد أربِع شهادات"؛ أي: حلف أربع أيمان، وهذا معنى قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6]؛ أي: يحلف أربع أيمان، والعرب تقول: أشهد بالله؛ أي: أحلف، وكما قال شاعرهم:
فَأَشْهَدُ عِنْدَ اللهِ أَنِّي أُحِبُّهَا ... فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا
وهذا مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: هي شهادات محقّقة من المتلاعنين على أنفسهما، وانبنى على هذا الخلاف في لعان الفاسقَين، والعبدَين، فعند الجمهور يصحّ، وعند أبي حنيفة لا يصحّ، وربّما استُدلّ لأبي حنيفة بما رواه أبو عمرو من حديث عمرو بن شعيب مرفوعًا: "لا لعان بين مملوكين، ولا كافرين"، وبما رواه الدارقطنيّ من هذا المعنى، ولا يصحّ منها كلِّها شيء عند المحدّثين.
واختلفوا في الألفاظ التي يقولها المتلاعنان، وأولى ذلك كلّه ما دلّ عليه كتاب الله تعالى، وهو أن يقول: أشهد بالله لقد زنيت، أو لقد رأيتها تزني، أو أن هذا الحمل ليس منّي، أو هذا الولد، أربع مرّات، ثم يُخمّس، فيقول: