قال: إن اللعان يمين، وهو قول مالك، والشافعيّ، والجمهور، وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة، وهو وجه للشافعيّة، وقيل: شهادة فيها شائبة اليمين، وقيل: بالعكس، ومن ثمّ قال بعض العلماء: ليس بيمين، ولا شهادة.

وانبنى على الخلاف أن اللعان يُشرع بين كلّ زوجين مسلمين، أو كافرين، حرّين، أو عبدين، عدلين، أو فاسقين؛ بناءً على أنه يمين، فمن صحّ يمينه صحّ لعانه، وقيل: لا يصحّ اللعان إلا من زوجين حرّين مسلمين؛ لأن اللعان شهادة، ولا يصحّ من محدود في قذف، وهذا الحديث حجة للأولين؛ لتسوية الراوي بين لاعَنَ، وحلف، ويؤيّده أن اليمين: ما دلّ على حثّ، أو منع، أو تحقيق خبر، وهو هنا كذلك، ويدلّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "فقال له: احلف بالله الذي لا إله إلا هو إني لصادق، يقول ذلك أربع مرّات"، أخرجه الحاكم، والبيهقيّ، من رواية جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عنه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن".

واعتلّ بعض الحنفيّة بأنها لو كانت يمينًا لما تكرّرت، وأجيب بأنها خرجت عن القياس تغليظًا لحرمة الفرج، كما خرجت القسامة لحرمة الأنفس، وبأنها لو كانت شهادة لم تكرر أيضًا.

قال الحافظ رحمه الله: والذي تحرّر لي أنها من حيث الجزم بنفي الكذب، وإثبات الصدق يمين، لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يُكتفَى في ذلك بالظنّ، بل لا بدّ من وجود علم كلّ منهما بالأمرين علمًا يصحّ معه أن يشهد به، ويؤيّد كونها يمينًا أن الشخص لو قال: أشهد بالله لقد كان كذا لعُدّ حالفًا، وقد قال القفّال في "محاسن الشريعة": كررت أيمان اللعان؛ لأنها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحدّ، ومن ثمّ سمّيت شهادات. انتهى كلام الحافظ رحمه الله (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط تفريق الحاكم بين المتلاعنين:

ذهبت جماعة إلى أن الفُرقة لا تحصل إلا بتفريق الحاكم بينهما، وبه قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015