عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك": "فسكت عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتُليت به"، فدَلّ على أنه لم يذكر امرأته إلا بعد أن انصرف، ثم عاد.
ووقع في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن الرجل لما قال: "وإن سكت سكت على غيظ"، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم افتح"، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان، وهذا ظاهره أن الآية نزلت عقب السؤال، لكن يَحْتَمِل أن يتخلل بين الدعاء والنزول زمن، بحيث يذهب عاصم، ويعود عويمر، وهذا كله ظاهر جدًّا في أن القصة نزلت بسبب عويمر، ويعارضه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن هلال بن أمية قذف امرأته بشَرِيك بن سَحْماء، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "البينةَ، أو حَدّ في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ إنني لصادق، ولَيُنزلنّ الله فِيّ ما يبرئ ظهري من الحدّ، فنزل جبريل، فأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الحديث.
وفي رواية عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذا الحديث، عند أبي داود: "فقال هلال: وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرَجًا، قال: فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك، إذ نزل عليه الوحي".
وفي حديث أنس الآتي عند مسلم: "أن هلال بن أمية قَذَف امرأته بشَريك بن سَحْماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أوّل رجل لاعن في الإسلام"، فهذا يدلّ على أن الآية نزلت بسبب هلال، وقد تقدّم في المسألة الثانية المذكورة أول "كتاب اللعان" بيان اختلاف أهل العلم في ذلك.
والأحسن في كيفية الجمع بينهما؛ أن يقال: إن هلال بن أميّة سأل أوّلًا، ثم سأل عويمرٌ، فنزلت في شأنهما معًا.
ومال الحافظ إلى ترجيح أن يكون عاصم سأل قبل النزول، ثم جاء هلال بعده، فنزلت عند سؤاله، فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها: إن الذي سألتك عنه قد ابتُليت به، فوجد الآية نزلت في شأن هلال، فأعلمه - صلى الله عليه وسلم - بأنها نزلت فيه، يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك؛ لأن ذلك لا يختص بهلال، وكذا يجاب على سياق حديث ابن مسعود بأنه يَحْتَمِل أنه لَمَا شَرَع يدعو بعد توجه العجلانيّ جاء هلال، فذكر قصته، فنزلت، فجاء عويمر،