وأما من جهة اللفظ، فإنه لا يكون من الشيء الذي يضاف إليه، بخلاف الْوَسَط أيضًا.

فإن قلت: قد ينتصب الْوَسَط على الظرف، كما ينتصب الْوَسْطُ، كقولهم: جلست وَسَطَ الدار، وهو يَرتعي وَسَطًا، ومنه ما جاء في الحديث؛ أنه كان يَقِف في الجنازة على المرأة وَسَطها.

فالجواب: أن نصب الْوَسَط على الظرف، إنما جاء على جهة الاتساع، والخروج عن الأصل، على حدّ ما جاء الطريقَ، ونحوه، وذلك مثل قوله:

كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ

وليس نصبه على الظرف على معنى "بَيْنَ"، كما كان ذلك في "وَسْطَ"، ألا ترى أن وَسْطًا لازم للظرفية، وليس كذلك وَسَطٌ، بل اللازم له الاسمية في الأكثر والأعم، وليس انتصابه على الظرف، وإن كان قليلًا في الكلام، على حدّ انتصاب الَوَسْط في كونه بمعنى "بَيْنَ"، فافهم ذلك.

قال: واعلم أنه متى دخل على وسْط حرف الوعاء، خرج عن الظرفية، ورجعوا فيه إلى وَسَط، ويكون بمعنى وَسَط، كقولك: جلست في وَسْط القوم، وفي وَسَط رأسه دُهْنٌ، والمعنى فيه مع تحرّكه، كمعناه مع سكونه، إذا قلت: جلستُ وَسْطَ القوم، ووَسْطَ رأسه دُهن، ألا ترى أن وَسْط القوم بمعنى وَسَط القوم، إلا أن وَسْطًا يلزم الظرفية، ولا يكون إلا اسْمًا، فاستعير له إذا خرج عن الظرفية الوَسْط على جهة النيابة عنه، وهو في غير هذا مخالف لمعناه.

وقد يُستَعمل الْوَسْط الذي هو ظرف اسْمًا، ويبقى على سكونه، كما استعملوا "بَيْنَ" اسمًا على حكمها ظرفًا، في نحو قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94]، قال الْقَتَّال الْكِلابيّ [من الكامل]:

مِنْ وَسْطِ جَمْعِ بَنِي قُرَيْظٍ بَعْدَمَا ... هَتَفَتْ رَبِيعَةُ يَا بَنِي خَوَّارِ

وقال عَدِيُّ بن زيد [من الخفيف]:

وَسْطُهُ كَالْيَرَاعِ أَوْ سَرُجِ الْمَجْـ ... دَلِ حِينًا يَخْبُو وَحِينًا يَنِيرُ

انتهى كلام ابن بريّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015