الدابة للركوب خير من طرفيها؛ لتمكّن الراكب، ومنه الحديث: "خيار الأمور أوساطها" (?)، وقول الراجز:

إِذَا رَكِبْتُ فَاجْعَلَانِي وَسَطَا

وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]؛ أي: عَدْلًا، فهذا تفسير الوَسَط، وحقيقة معناه، وأنه اسم لما بين طرفي الشيء، وهو منه.

قال ابن بَرّيّ: وأما الوَسْط بسكون السين، فهو ظرفٌ، لا اسمٌ جاء على وزان نظيره في المعنى، وهو "بَيْنَ"، تقول: جلست وَسْطَ القوم؛ أي: بينهم، ومنه قول أبي الأخزر الْحِمّانيّ [من الرجز]:

سَلُّومُ لَوْ أَصْبَحْتِ وَسْطَ الأَعْجَمِ

أي: بين الأعجم، وقال آخر [من الرجز]:

أَكْذَبُ مِنْ فَاخِتَةٍ ... تَقُولُ وَسْطَ الْكَرَبِ

وَالطَّلْعُ لَمْ يَبْدُ لَهَا ... هَذَا أَوَانُ الرُّطَبِ

وقال سَوّار بن الْمُضَرِّب [من البسيط]:

إنِّي كَأَنِّي أَرَى مَنْ لَا حَيَاءَ لَهَ ... وَلَا أَمَانَةَ وَسْطَ النَّاسِ عُرْيَانَا

وفي الحديث: "حتى أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس" (?) أي: بينهم.

ولما كانت "بَيْنَ" ظرفًا كانت "وَسْطَ" ظرفًا، ولهذا جاءت ساكنة الأوسط؛ لتكون على وزانها، ولما كانت "بَيْن" لا تكون بعضًا لما يضاف إليها، بخلاف الوَسَط الذي هو بعضُ ما يضاف إليه، كذلك وَسْطُ لا تكون بعضُ ما تضاف إليه، ألا ترى أن وَسَط الدار منها، ووسْط القوم غيرهم؟ ومن ذلك قولهم: وَسَطُ رأسه صُلْبٌ؛ لأن وَسَط الرأس بعضُها، وتقول: وَسْطَ رأسه دُهْنٌ، فتنصب وَسْطَ على الظرف، وليس هو بعض الرأس، فقد حصل لك الفرق بينهما من جهة المعنى، ومن جهة اللفظ.

أما من جهة المعنى، فإنها تلزم الظرفية، وليست باسم متمكن يصحّ رفعه، ونصبه، على أن يكون فاعلًا، ومفعولًا، وغير ذلك، بخلاف الْوَسَطِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015