[فائدة مهمّة]: كتب المحقّق المرتضى - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرح القاموس" بحثًا نفيسًا في ضبط "الوَسْطِ"، أحببت إيراده، وإن كان طويلًا؛ لنفاسته، قال - رَحِمَهُ اللهُ -:

وللشيخ أبي محمد بن بَرّيّ - رَحِمَهُ اللهُ - هنا كلام مفيدٌ لا يُستَغْنَى عن إيراده كلِّه؛ لحسنه، قال: اعلم أن الوسط بالتحريك اسم لِمَا بين طرفي الشيء، وهو منه، كقولك: قبضت وَسَطَ الحبل، وكسرت وَسَط الرمح، وجلست وَسَط الدار، ومنه المثل: "يَرْتَقِي وَسَطًا، وَيَرْبِضُ حَجْرَةً"؛ أي: يَرتعي أوسط المرعى، وخياره، ما دام القوم في خير، فإذا أصابهم شرٌّ اعتزلهم، ورَبَضَ حَجْرَة أي: ناحيةً منعزلًا عنهم، وجاء الوَسَط محركًا أوسطه على وزان نقيضه في المعنى، وهو الطَّرَف؛ لأن نقيض الشيء يتنزل منزلة نظيره في كثير من الأوزان، نحو جَوْعَان، وشَبْعَان، وطَوِيل، وقَصِير، قال: ومما جاء على وزان نظيره قولهم: الَحَرْدُ؛ لأنه على وزان القَصْد، والْحَرَدُ؛ لأنه على وزان نظيره، وهو الغَضَب، يقال: حَرَدَ يَحْرِدُ حَرْدًا، كما يقال: قَصَدَ يَقْصِدُ قَصْدًا، ويقال: حَرِدَ يَحْرَد حَرَدًا، كما يقال: غَضِبَ يَغْضَبُ غَضَبًا، وقالوا: الْعَجْم؛ لأنه على وزان الْعَضِّ، وقالوا: الْعَجَم، لِحَبِّ الزبيب وغيره؛ لأنه وزان النَّوَى، وقالوا: الْخِصْبُ، والْجَدْبُ؛ لأن وزانهما الْعِلم، والْجَهْل؛ لأن العلم يُحْيِي الناس، كما يحييهم الْخِصْب، والجهل يُهْلِكهم كما يهلكهم الْجَدْب، وقالوا: الْمَنْسِرُ؛ لأنه على وزان الْمَنْكِب، وقالوا: الْمِنْسَرُ؛ لأنه على وزان الْمِخْلَب، وقالوا: أدليت الدلو: إذا أرسلتها في البئر، ودَلَوتها: إذا جَذَبتها، فجاء أدلى على مثال أرسل، ودَلا على مثال جَذَبَ، قال: فبهذا تعلم صحة قول من فَرّق بين الضَّرِّ، والضُّرّ، ولم يجعلهما بمعنًى، فقال: الضَّرّ بإزاء النَّفْع الذي هو نقيضه، والضُّرّ بإزاء السُّقْم الذي هو نظيره في المعنى، وقالوا: فَاد يَفِيد جاء على وزان مَاسَ يَمِيس: إذا تبختر، وقالوا: فَاد يَفُود، على وزان نظيره، وهو مات يموت، والنَّفَاقُ في السوق، جاء على وزن الْكَسَاد، والنِّفَاق في الرجل، جاء على وزان الْخِدَاع، قال: وهذا النحو في كلامهم كثيرٌ جدًّا.

قال: واعلم أن الوَسَطَ قد يأتي صفةً، وإن كان أصله أن يكون اسْمًا من جهة أن أوسط الشيء أفضله، وخياره، كوَسطُ المرعى خيرٌ من طرفيه، وكوسطُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015