لأن الله تعالى لم يأمر بطلاقهنّ في الحيض، بل حرّمه، وبهذا قال مالكٌ، والشافعيّ، وقال أبو حنيفة، وأحمد: هي الحيض، وأجاب بعضهم عن هذا الحديث بأن الإشارة في قوله: "فتلك العدّة" إلى الحيضة، وهو مردود؛ لأن الطلاق في الحيض غير مأمور به، بل هو محرّم، وإنما الإشارة إلى الحالة المذكورة، وهي حالة الطهر، أو إلى العدّة.
وقال الذاهبون إلى أنها الحيض: من قال بالأطهار جعلها قرءين وبعض الثالث، وظاهر القرآن أنها ثلاثة، ونحن نشترط ثلاث حِيَض كوامل، فهي أقرب إلى موافقة القرآن، ولهذا صار الزهريّ مع قوله: إن الأقراء هي الأطهار إلى أنه لا تنقضي العدّة إلا بثلاثة أطهار كاملة، ولا تنقضي بطهرين وبعضِ الثالث، وهذا مذهب انفرد به، وقال غيره: لو طلّقها، وقد بقي من الطهر لحظة يسيرةٌ، حُسبت قُرءًا، ويكفيها طهران. وأجابوا عن هذا الاعتراض بأن الشيئين وبعض الثالث يُطلق عليها اسم الجمع، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، ومدّته شهران وبعض الثالث، وقال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] والمراد: وبعض الثاني. انتهى كلام وليّ الدين - رحمه الله - (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بأن الأقراء هي الأطهار هو الأرجح؛ لأن الأرجح في اللام في قوله: {لِعِدَّتِهِنَّ} كونها بمعنى: "في"، فظهر به أن وقت العدّة هو الطهر؛ لأنه الوقت الذي أمر الله تطليق النساء فيه، وسيأتي تكميل هذا البحث - إن شاء الله تعالى -، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): في اختلاف أهل العلم في معنى القرء المراد في قوله - عز وجل -: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الآية [البقرة: 228]:
قال أبو عبد الله القرطبيّ - رحمه الله -: اختَلَف العلماء في الأقراء، فقال أهل الكوفة: هي الحيض، وهو قول عمر، وعليّ، وابن مسعود، وأبي موسى، ومجاهد، وقتادة، والضحّاك، وعكرمة، والسّدّيّ.