وقال أهل الحجاز: هي الأطهار، وهو قول عائشة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، والزهريّ، وأبان بن عثمان، والشافعيّ.

فمن جعل القرء اسمًا للحيض سماه بذلك؛ لاجتماع الدم في الرحم، ومن جعله اسمًا للطهر؛ فلاجتماعه في البدن، والذي يُحقّق لك هذا الأصل في القرء: الوقت، يقال: هبّت الريح لقرئها، وقارئها؛ أي: لوقتها، قال الشاعر [من الوافر]:

كَرِهْتُ الْعَقْرَ عَقْرَ بَنِي شَلِيلِ ... إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ

فقيل: للحيض وقت، وللطهر وقتٌ؛ لأنهما يرجعان لوقت معلوم، وقال الأعشى في الأطهار [من الطويل]:

أَفِي كُلِّ عَامِ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لأقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا

مُوَرِّثَةٍ عِزًّا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا

وقال آخر في الحيض [من الرجز]:

يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ

يعني أنه طعنه، فكان له دم كدم الحائض.

وقال قوم: هو مأخوذ من قرء الماء في الحوض، وهو جمعه، ومنه القرآن؛ لاجتماع المعاني، ويقال: لاجتماع حروفه، ويقال: ما قرأت الناقة سَلًى قطّ؛ أي: لم تجمع في جوفها؛ وقال عمرو بن كُلثوم:

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرِ ... هِجَانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا

فكأنّ الرحم يَجمَع الدمَ وقت الحيض، والجسم يجمعه وقت الطهر، قال أبو عمر بن عبد البرّ: قول من قال: إن القرء مأخوذ من قولهم: قريت الماء في الحوض ليس بشيء؛ لأن القرء مهموز، وهذا غير مهموز.

قال القرطبيّ: هذا صحيح بنقل أهل اللغة: الجوهريّ وغيره، واسم ذلك الماء قِرًى - بكسر القاف، مقصور -. وقيل: القرء الخروج، إما من طهر إلى حيض، أو من حيض إلى طهر، وعلى هذا قال الشافعيّ في قولٍ: القرء الانتقال من الطهر إلى الحيض، ولا يرى الخروج من الحيض إلى الطهر قرءًا، وكان يلزم بحكم الاشتقاق أن يكون قرءًا، ويكون معنى قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}؛ أي: ثلاثة أدوار، أو ثلاثة انتقالات، والمطلّقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015