(المسألة التاسعة): اختلف الفقهاء في المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "طاهرًا" هل المراد به انقطاع الدم، أو التطهّر بالغسل؟ على قولين، وهما روايتان عن أحمد، والراجح الثاني؛ لما في رواية النسائيّ، من طريق معتمر بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع في هذه القصّة، قال: "مُرْ عبد الله، فليراجعها، فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى، فلا يمسّها حتى يطلّقها، وإن شاء أن يمسكها، فليمسكها"، وهذا مفسّر لقوله: "فإذا طهرت"، فليحمل عليه.
قال في "الفتح": ويتفرّع من هذا أن العدّة هل تنقضي بانقطاع الدم، وترتفع الرجعة، أو لا بُدّ من الاغتسال؟ فيه خلاف أيضًا.
والحاصل أن الأحكام المرتّبة على الحيض نوعان: الأول يزول بانقطاع الدم؛ كصحّة الغسل، والصوم، وترتّب الصلاة في الذّمّة، والثاني: لا يزول إلا بالغسل؛ كصحّة الصلاة، والطواف، وجواز اللبث في المسجد، فهل يكون الطلاق من النوع الأول، أو من الثاني؟ انتهى (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن الطلاق من النوع الثاني؛ لرواية النسائيّ المذكورة في ذلك، فإنها صريحة في اشتراط الاغتسال، فلا يجوز أن يطلّقها إلا بعد اغتسالها، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنها العدّة التي أمر الله أن تطلّق لها النساء"، هذا إشارة إلى قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآية [الطلاق: 1] قال الجرجانيّ: اللام بمعنى "في"، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} الآية [الحشر: 2]؛ أي: في أول الحشر، فقوله: {لِعِدَّتِهِنَّ}؛ أي: في الزمان الذي يصلح لعدّتهنّ، وحصل الإجماع على أن الطلاق في الحيض ممنوع، وفي الطهر مأذون فيه، ففيه دليل على أن القرء هو الطهر، ذكره القرطبيّ - رحمه الله - (?).
وقال الحافظ وليّ الدين - رحمه الله -: استُدلّ به على أن الأقراء هي الأطهار؛